الجهل يستهدف معقل التربية والتعليم!

بعد أن انتهت وزارة التربية من إعلان نتائج الشهادة الثانوية بفروعها المختلفة، تنفس العاملون فيها الصعداء، وبدؤوا التحضير للعام الدراسي الجديد.

في الساعة العاشرة تقريباً من صباح يوم الأحد والمراجعون يكتظون على مدخل الوزارة، جاءت مكافآت الجهل والتخلف وهداياه: قذائف وحمماً انهالت على وزارة التربية، في تلك الثواني كنت من بين المراجعين، دوّت القذيفة الأولى، وبعد أقل من دقيقتين انفجرت الثانية وسط حديقة ح الوزارة، والعاملين فيها في أوج عطائهم الصباحي، وتوالى سقوط القذائف إلى ما بعد انتهاء الدوام.

ترى، لماذا استهدفت هذه القذائف وزارة التربية؟! ومنذ أسبوع، مديرية تربية مدينة دمشق، هل أخطأ الجهلة هدفهم فأصابوا معقل التربية والتعليم، أو أنهم يعرفون ماذا يفعلون..

طبعاً لم تكن صدمة عابرة، فأعداء العلم والتقدم والحضارة، يحسنون اختيار أهدافهم، ويعرفون قيمة وزارة التربية وأهميتها، ففي مدارسها تعدّ الكوادر العلمية والفنية والأدبية والسياسية، وهم يعرفون جيداً أن مستقبل الأمم يرتسم على مقاعد الدراسة التي حاولوا طيلة سنوات المواجهة تعطيل الدراسة فيها، فأمطروها بوابل من قذائف حقدهم وتخلفهم، فما وهنت عزائم المربين ولا تقاعس التلاميذ، وواجهوا الأحقاد بالإصرار على الدوام ومتابعة التحصيل.

من منا ينسى المكان الذي سكنه أكثر من ربع عمره، المكان الذي لو غادرناه، إلا اننا نحمله في نفوسنا طيلة العمر، فنحن مدينون للمدرسة ولوزارة التربية بمداميك معارفنا الأولى.

الأعداء يدركون ما يفعلون.. إنها حرب الجهل ضد العلم، حرب التخلف ضد التقدم، حرب الهمجية ضد الحضارة.

كم مرة قلنا وقال غيرنا إن حربنا مع الإرهابيين والتكفيريين ليست مواجهة سلاح فقط! وهل تملك وزارة التربية ومديرياتها ومدارسها براميل متفجرة وأحزمة ناسفة وصواريخ، لتحارَب بمثلها؟ إنهم يواجهون وظائف وزارة التربية ويعرقلون قيامها بمهامها: إعداد جيل محبّ لوطنه متسلح بالعلم والمعرفة في مواجهة التجهيل وتخريب العقول، ونشر الأكاذيب، وإشاعة الخرافات.

المواجهة مواجهة علم ومعرفة وثقافة وفكر وأخلاق، والأهداف المضمرة من هذه الجرائم تخريب العقول، وإحياء الغرائز، والعودة بنا إلى ما قبل الدولة الوطنية..

لمواجهة فكرهم الإقصائي الإلغائي الأصولي لا بدّ من العمل الدؤوب المبرمج  لنشر الفكر العلمي، وإغناء مفهوم المواطنة والانتماء الوطني القائم على التنوع والتعدد، وتعميقه، وصيانة كرامة المواطن وحراسة الوحدة الوطنية التي لا معنى ولا قيمة لها إلا في وطن موحد حرّ سيد.

المواجهة والاستهداف تضيف مسؤوليات جديدة إلى مهام وزارة التربية، فهي الخندق الأول في الداخل، وعلى مناهجها وطرائق تربيتها يتوقف مستقبل الوطن، والانتصار في المعركة يُعَدّ ويهيّأ له على مقاعد الدراسة، حيث تعمّ قيم المحبة والتسامح والعيش المشترك، المشيد على لحمة وطنية لا تقوى عليها المؤامرات. ولا تُضعف من صلابتها قذائف الأعداء وأحقادهم.

تحية إلى كل العاملين في وزارة التربية ومؤسساتها ومدارسها، وكلنا ثقة بأن جبهة التربية والتعليم من الصعب أن تتصدع، وهي أقوى من تخلف البرابرة الجدد، قاطعي الرؤوس ومهدّمي الصروح الثقافية والحضارية.

العدد 1105 - 01/5/2024