دانيال نعمة.. المناضل الذي لا يغيب عن الذاكرة

تمر هذه الأيام الذكرى السنوية العاشرة لرحيل القائد الشيوعي الكبير، والمناضل العنيد، والمثقف والكاتب اللامع، الرفيق دانيال نعمة، بعد حياة ملأى بالنضال والسجون والمعتقلات والعذاب والتشرد.

تصدى الرفيق دانيال للديكتاتوريات العسكرية، فقد كان في طليعة الرفاق الذين فضحوا وحاربوا الانقلابات العسكرية التي توالت على البلاد حتى أواسط الخمسينيات.. وفي تلك الحقبة من التاريخ بدأت شخصية الرفيق دانيال (أبو خالد) تتوهج في أفق الحياة السياسية، وكان نضاله بين الفلاحين وفي الأرياف قد بدأ يحرك النضالات الطبقية للفلاحين أينما كان في سورية.. كل ذلك لم يمنع أبي خالد من إكمال دراسته الجامعية والحصول على الإجازة في الحقوق، والتحول إلى مهنة المحاماة التي لم يستخدمها إلا لصالح الفلاحين والفقراء، وخاصة في الدفاع عن حقوق الفلاحين في الأرض، والوقوف ضد تجاوزات الإقطاعيين وتسلطهم على أراضيهم..

رشحه الحزب إلى انتخابات المجلس النيابي في عام 1954 نظراً لشعبيته بين سكان محافظة طرطوس.

كان الرفيق دانيال رجلاً موسوعياً، إضافة إلى سمته كقائد حزبي، كان يعمل حيثما تتطلب مصلحة الحزب والفكر والثقافة، هو من كان إنساناً مثقفاً مولعاً بالأدب والفكر والثقافة، وهو من القلائل في قيادة الحزب الذين كانوا يعطون للثقافة حقها، فكان مولعاً بالأدب العربي شعراً ونثراً وبالتاريخ العربي أيضاً.

أما عن وعيه وثقافته الماركسية اللينينة، فيمكن وضعه بمصاف المثقفين الماركسيين الأوائل في العالم العربي.. لكن فهمه لهذه الثقافة كان خلاقاً ومبدعاً فعلاً.. فقد انتقد الجمود العقائدي والجامدين عقائدياً، وكذلك مارس النقد تجاه الذين أضاعوا أو يضيعون البوصلة الأساسية في وضع الأهداف التكتيكية والاستراتيجية، وهي مسألة تحديد التناقض الأساسي في كل مرحلة من مراحل الصراع، والتي يخطئ البعض في  تجاهلهم إياها.. وكم كان يتعرض للأسئلة من الرفاق والأصدقاء حول الجبهة الوطنية التقدمية، وكان يجيبهم بكل رحابة صدر وثقة بالنفس وبخط الحزب، ويدافع عن التحالف والجبهة مع إبراز الدور المستقل المتميز لحزبنا.

دانيال نعمة.. الإنسان.. كان مثالاً في التواضع والإنسانية، يهتم بأحوال الرفاق الشخصية، ويقدم لهم ما يستطيع من أوجه المساعدة، وكان مضرب المثل في العمل الجاد ليل نهار.. وقد شهدت السنوات الأخيرة من حياته، أي منذ إعادة صدور جريدة (النور) وترؤسه لهيئة تحريرها، جهوداً جبارة بذلها أبو خالد، لكي تصبح (النور) جريدة تليق بالشيوعيين والتقدميين، وكان له ما أراد، وذلك بفضل كفاءته العالية، وقلمه الجميل، واحترامه للرأي الآخر، وجهوده لاستقطاب مواهب وإمكانات جديدة.

وكان الرفيق دانيال في فترة تمثيله للحزب في القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية، خير معبر عما يريده الشيوعيون من الجبهة التي يرونها ضرورة موضوعية، ولكنهم يريدونها في الوقت نفسه أن تكون ذات فاعلية أكثر وسلطة أكبر في مجال قيادة الدولة وممارسة الرقابة الشعبية الحقيقية على أجهزتها.

لقد تعلمنا، ويجب أن نتعلم أكثر، كيف نحترم رجالاتنا الطيبين، الذين حفروا الطريق بأظافرهم وأضاؤوا لنا المشاعل لكي نهتدي بها في رحلتنا الطويلة نحو الاشتراكية، ومن أجل ذلك نحيي ذكرى مرور عشر سنوات على رحيل الرفيق الطيب والقائد الشيوعي المخلص دانيال نعمة، ونقول له إننا لن ننساك، وستظل في عقولنا وقلوبنا!

العدد 1104 - 24/4/2024