بشائر غير سارة لأردوغان وبندر

إذا كان السيد كيري، وزير الخارجية الأمريكية، قد ضغط على روسيا لتأجيل انعقاد مؤتمر جنيف 2 حول سورية إلى 22 كانون الثاني القادم، بغية إعطاء فرصة للمعارضة الخارجية أو المسلحة لكي تعيد تنظيم وضعها المتناثر والمتناقض، الذي يحمل عوامل سقوطه بنفسه بنيوياً وعضوياً، وإذا كانت الوقاحة قد وصلت إلى حد التصريح بأن التأجيل مطلوب أيضاً لكي (يتعدل) ميزان القوى لصالح المعارضة، فإن مجريات الأمور لا تسير وفق مخططات بندر وأردوغان المباركة والمدعومة أمريكياً، بل وإسرائيلياً أيضاً. وسنحاول هنا أن نستعرض المتغيرات التي عكرت المزاج التركي- السعودي- الأمريكي، والتي بدلاً من أن تعدل ميزان القوى نحو الشمال، عدّلته نحو الجنوب، وبدلاً من أن تُضعف هذه المتغيرات سورية، فهي قد زادت من قوة موقفها بمواجهة الذين دمروها جزئياً، ويريدون الآن تدميرها كلياً:

1- فشلت الخطة الجهنمية التي أنفق عليها ملايين الدولارات، وهي خطة بندر، التي تقتضي اختراق سورية عبر الأردن بواسطة 5000 جندي مدرب على أيدي قيادات أمريكية في ظروف الصحراء والمسافات الطويلة، وباشتراك أجهزة الاتصالات والاستخبارات الإسرائيلية (نعم الإسرائيلية)، وهم لا يخجلون من ذلك، ولا ينفونه! وهدف الخطة كسر (درع العاصمة) الذي يحمي دمشق، فكان أن سقط المشروع الذي كلفهم ما يزيد على ألف قتيل، منهم الكثير من السعوديين والأردنيين والشيشانيين.. ويقال إن التهيئة جارية ل(غزوة) جديدة انتقامية.

2- جرت معركة القلمون، وسجلت حتى الآن تقدماً كبيراً في استعادة السيطرة على النبك بعد أن استعيدت قارة ودير عطية، وقبلها صدد ومهين، وبذلك تكون قد أغلقت البوابة اللبنانية، التي كان يتدفق منها السلاح والمرتزقة وقاطعي رؤوس البشر وآكلي لحومهم.

3- تأمين طرق الوصول إلى حلب عبر خناصر، وتحرير السفيرة، الأمر الذي فوّت الفرصة على استمرار حصار حلب.

إن هذه الأمثلة تدل دلال واضحة على أن الوضع على الأرض يميل بشكل متزايد لصالح سورية وجيشها، وأن مشروع تقسيم سورية وتفكيك أجزائها وفصلها بعضها عن بعض، قد أصبح وهماً وحلماً وخيالاً.. لكن هذا لا يعني أن المشروع العدواني والفتنوي ضد سورية قد انهزم تماماً.. ففي هذا القول مبالغة مادام تسلّل الإرهابيين والأسلحة والأموال مستمراً عبر البوابة التركية تحديداً.

4- الاتفاق الإيراني بشأن الملف النووي (5+1)، الذي أكد حق الدول في استعمال الطاقة الذرية لأغراض سلمية، وبدء رفع العقوبات الاقتصادية الغربية عن إيران، وهو ما يساعد على تعزيز الدور الإيراني في مؤتمر جنيف 2 للسلام في سورية، سواء حضرته إيران أم لم تحضره.

5- ازدياد التقارب العراقي – السوري، خاصة بعد أن أصبح العراق هدفاً للإرهاب الذي يحصد العشرات يومياً، واتضح أن قوى الشر والإرهاب التي تضرب في سورية هي القوى نفسها التي تضرب في العراق.

6- تحسّن العلاقات بين سورية ومصر، بعد أن سقط مشروع الدولة الدينية و(الإخوان المسلمون) في البلدين.

7- ازدياد عزلة تركيا عن دول المنطقة، باستثناء السعودية وقطر، وتوتر علاقاتها مع مصر، وسياسة التقارب التي أخذت تركيا تنتهجها بواسطة إيران للتصالح مع دول المنطقة، الأمر الذي لا يمكن أن نعوّل عليه الآمال ما لم يقترن حتى الآن بأفعال ملموسة تساعد على وقف نزف الدم السوري، الذي تعتبر حكومة أردوغان مسؤولة مسؤولية مباشرة عنه.

8- المحاولات الأوربية المتزايدة لتحسين علاقاتها مع سورية، على قاعدة وصول هذه الدول إلى القناعة باستحالة إسقاط الدولة السورية، وأن دورها في المنطقة سيعود إلى وضعه الطبيعي، خاصة إذا طبقت الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

9- الإحساس العام السائد في العالم باشتداد قوة المنظمات الإرهابية، بعد نشاطها التدميري في سورية، وزيادة احتمال انتقاله إلى أوربا، وقناعة جميع دول العالم أن ما من قوة قادرة أكثر من سورية على تصفية هذا الإرهاب، لكن ذلك في حقيقة الأمر هو واجب إنساني يجب أن تساهم فيه جميع دول العالم.

10- تنامي العلاقات الروسية – السورية وتطورها، والعلاقات الإيرانية – السورية ووصولها إلى درجات متقدمة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.

فإذا تَمعّنَ قادة (السعودية) و(تركيا) والقوى الداعمة لهما، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بهذه العوامل والمستجدات التي تتوالى بشكل مستمر، فاتحة الآفاق أمام انهيار نظام القطب الواحد، وإملاء الأوامر على الشعوب، فهل سيجرؤ أولئك على مواصلة المسار ذاته، أم يعيدون النظر في حساباتهم التي ثبت أن الزمن قد تجاوزها؟

العدد 1105 - 01/5/2024