معاناة الجامعيين إلى أين..؟

الجامعة صرح علمي تربوي، ومنارة المعرفة ومركز الإشعاع الحضاري، على افتراض أنها مشرّعة على فضاءات لا حدود لها في مواكبة التقدم والتطور، وتحفّز على الإبداع والتميّز بتهيئة كافة السبل لتسهيل التعليم والتدريب والبحث العلمي، واكتساب المهارات، بإعدادها الشباب الجامعي علميًا وخلقياً، لمواجهة الحياة المعاصرة وتطوراتها المتعددة والمتلاحقة.

والشباب الجامعي هم اللبنة الأولى والمنتج الرئيسي والمهم  للجامعة، والمادة الخام لصناعة المستقبل، ليخرج الإنسان منها قادراً على توظيف طاقاته كي يكون منتجاً ومشاركاً، فالشباب هم الطاقة البشرية القادرة على القيام بالعمليات النهضوية والتنموية .

لقد أكد الدستور السوري لعام 2012 على أهمية العلم  في المادة 29/ منه:

1- التعليم حقّ تكفله الدولة، وهو مجّاني في جميع مراحله، وينظم القانون الحالات التي يكون فيها التعليم مأجوراً في الجامعات والمعاهد الحكومية.

3- تشرف الدولة على التعليم وتوجهه بما يعزز الربط بينه وبين حاجات المجتمع ومتطلبات التنمية .

أما المادة  /31/ منه فقد أكدت على دعم البحث العلمي لما له من أهمية في رقي الأمم إذ نصت:

(تدعم الدولة البحث العلمي بكل متطلباته وتكفل حرية الإبداع العلمي والأدبي والفني والتقاني، وتوفر الوسائل المحققة لذلك وتقدّم الدولة كل مساعدة لتقديم العلوم والفنون وتشجيع الأختراعات العلمية والفنية والكفاءات والمواهب المبدعة وتحمي نتائجها).

وقانون تنظيم الجامعات رقم 6 للعام 2006 الذي وفّر القاعدة التشريعية، والأسس القانونية لتحديث وتطوير التعليم العالي، والنهوض بالجامعات، والارتقاء بمستوى الأداء الجامعي، فنصَّ في المادة 2:

ب-وضع السياسة العامة للبحوث في الجامعات والمعاهد، وتوجيهها نحو معالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في الجمهورية العربية السورية

ج-وضع الخطط اللازمة لتنفيذ سياسة التعليم العالي التي تضعها الدولة وربطه بخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتطويره وتوزيع مؤسساته بما يحقق أهداف الدولة القومية والاجتماعية والعلمية والثقافية.

ونصت المادة 11 من قانون تنظيم الجامعات أيضاً على:

– التعليم الجامعي حق لكل مواطن مؤهل له …..في ضوء مطالب النمو المتوازن الاقتصادي والاجتماعي والثقافي

ونصت المادة 12 منه

 -تهدف الجامعات إلى تحقيق التقدم في مجالات العلم والتقانة والفكر والفن، وتعمل على تحقيق الأهداف.. وتوسيع آفاق المعرفة البشرية والإسهام في تحقيق التنمية الأقتصادية والأجتماعية في الجمهورية العربي السورية).

وجاء القانون رقم 7 لعام 2006 الخاص بالتفرغ العلمي بالجامعات لتسهيل نشر العلم وإتاحته، إلى جانب قرارات التوسع الأفقي والشاقولي في الجامعات، والقرارات المتضمنة تعديل وإلغاء كافة أنواع المساعدة في علامات النجاح، وتطوير أنظمة الامتحان وغيرها من قرارات تخص النهوض بالعملية التعليمية للوصول إلى الغاية السامية منه، وهي نيل الشهادة الجامعية التي ترتقي بالإنسان إلى مستوى اقتصادي واجتماعي وثقافي مهم، وتؤهل الشباب لخوض سوق العمل والاندماج بالحياة العملية، وتحقيق الطموح والآمال للحصول على وظيفة تضمن له مردود حياة كريمة، وهذا ما يساعد في تحقيق معدلات نمو عالية وتوفير النفع العام للمجتمع.

ولكن التناقض بين ما يفرضه الدستور، وما يسعى له القانون من تحقيق غاية العلم، وبين الواقع المؤلم لغياب التطبيق الملموس على أرض الواقع كبير ومؤلم، فالمعاناة والمشاكل التي تواجه الطالب الجامعي من أسرية ودراسية واجتماعية واقتصادية وصحية، مُضافاً إليها الأزمة التي تمر بها سورية، وما سببتها من صراعات سياسية وشجارات انتقلت إلى الحرم الجامعي، فألقت بظلالها على سلوك الطلبة، وأدّت لفوضى انعكست أيضاً على المستوى العلمي لهم.

فهذه المعاناة والمشاكل لاشك ستفتت وتقتل أحلامهم وطموحهم وحماسهم، وتشكل عائقاً حقيقياً أمام مواصلة التعليم، ومواكبة المسيرة العلمية المهددة بالضياع في ظل أوضاع اقتصادية طاحنة، يزيدها سوءاً وتعقيداً ارتفاع الرسوم الجامعية التي تضاعفت، مثقلة بذلك كاهل الطالب وعائلته، في ظل تغييب وغموض التشريعات والقوانين التي تجعل الطلبة عرضة للعقوبات والمخالفات، أو تحرمهم من حقوقهم، وتحوّل المؤسسات التعليمية )الجامعات( إلى مؤسسات ربحية تهتم بالجانب المادي أكثر من التعليم الأكاديمي، فأصبحت المعرفة تحصيل حاصل حتى على مستوى الدراسات العليا، لانعدام الرغبة لدى الهيئة التدريسية في إنتاج المعرفة، وتفشي الفساد من محسوبية ومنسوبية، والاهتمام بالمنصب الإداري والمنفعة المادية على حساب إنتاج قوى بشرية نخبوية علمية مثقفة تتمتع بمهارات أكاديمية وبحثية.

إضافة إلى غياب دور منظمات المجتمع المدني، وصندوق التسليف الطلابي، والمنح الدراسية، وعجز المؤسسات الشبابية عن التعامل مع قضايا الشباب وسد أوقات الفراغ والفجوة بين الطموح والواقع.

هذا الأمر دفع الكثير من الطلبة إلى ترك دراستهم، أو دخول سوق العمل إلى جانب الدراسة تحت أي مسمى كان لتوفير لقمة العيش لهم ولأسرهم وتلبية مطالبه الجامعية الضخمة.

فالوضع السوري، وما ترتب عليه من تدمير للبنى التحتية، يحتّم على الجهات المعنية من حكومة ومسؤولين في وزارة التعليم العالي والتربية، واتحاد الطلبة وصندوق التسليف الطلابي التخفيف من المعاناة، بوضع حلول ناجعة لمعيقات التحصيل العلمي، ومعرفة الاحتياجات الأساسية للشباب وآرائهم ومقترحاتهم، والعمل على تلبيتها والأخذ بها عند صياغة الخطط والبرامج الحكومية، والتزام الجدية في القرارات الرسمية  لمساعدة الطلبة ورعايتهم، بزيادة الإنفاق الحكومي للقضاء على الفقر والبطالة، واتخاذ خطوة عملية وجريئة من شأنها إصلاح منظومة التعليم وفق مستجدات العصر وتقنيات التكنولوجيا، وصهرها مع خبرات وقدرات الهيئة التدريسية للوصول إلى الرسالة السامية والأساسية للجامعة، مما يمكن الطلاب من التكيّف والتوافق والتفاعل والاندماج والمشاركة بأقصى الطاقات التي تساهم في تحقيق أهداف الدولة وتطلعاتها للحاق بركب الحضارة والتقدم والرقي.

العدد 1105 - 01/5/2024