تحديات الشباب الجامعي السّوري في ظل الحرب

يقولُ الشّاعر الألماني غوته (إنّ مستقبل الأمم مرهونٌ بطاقات عناصرها الفتية).

عندما نناقشُ مشاكل الشّباب الجامعي وقضاياهم ، فإننّا نناقشُ مسألةً عامةً تمسُّ مستقبل الوطن بأكمله .

لا نستطيع أن ننكر أنَّ العالم قد أصبحَ اليوم قريةً كونيةً سريعة التغيّرِ والتّأثر ببعضها، فالوقوفُ على طبيعة التحديات التي تواجهُ جيل الشباب، تمنحُنا معرفةً كافية عن واقعنا الحالي وكيف نتجه نحو المستقبل؟؟

أعادت الحرب في سورية هيكلة الاقتصاد السوري وسوق العمل، فقد فَرض الدمار والعقوبات تبدلاً في الأرقام والميزانيات، ما انعكس على حياة المواطن بطالة وزيادة في الأسعار، وانخفاضاً في الأجور، فدخل المجتمع دوامة اقتصاد الحرب والعنف، وبدأ الإنسان يبحث عن بدائل للمحافظة على ما يكفيه للعيش بالحدود الدنيا، لدى شريحة لا يستهان بها من المتواجدين داخل البلد، لنجد بالمقابل فئة من المتسلقين الجدد ومن كل الفعاليات يتبوؤون مواقع جديدة بحكم سيطرة رأس مال جديد..!

لقد تغير نمط الاستهلاك مثلما تغير دخل الأسر السّورية في سنوات الحرب الحالية، وأصبح الشباب يفضلون العمل أكثر من متابعة الدراسة لأسباب مختلفة، أبرزها سببان:

الأول: انعدام الدافعية للعلم نظراً لتعثر الاستقرار الأمني، وزيادة نفقات التنقل، واحتياجات الدراسة، في ظل انخفاض عائدات أسرهم بالتوازي مع حجم المستحقات المطلوبة، وعدم تناسب أسعارها مع المداخيل.

الثاني: إن انخفاض هذه الدّافعية لدى الشباب الجامعي تأتي أيضاً نتيجة نقص الكوادر من الأساتذة النخبة والمتميّزين في غالبية التخصصات، بسبب هجرة العقول خارج البلد.

فالشباب يحلم بمستقبل مزدهر، لكنهم يعيشون في واقع أليم، فهم لا يتسلحون بتكوين علمي متعمق، ولا يحملون أي صفات اجتماعية ثابتة من حيث الأمن والاستقرار، ولا مستوى اقتصادي يؤهلهم لتحقيق هذا الحلم.

واليوم، نجد الجامعي ينتقل من ورشة إلى مشغل إلى قيادة سيارة أجرة، وهذا يشمل نسبة غالبة من الشباب الجامعيين من الذكور والإناث، مقارنة مع الذين يتفرغون لمتابعة دراستهم بجد واهتمام. هذه الحالة من البطالة المقنعة لدى الشباب، تؤدي بهم إلى التّعرض لكثير من مظاهر عدم التوافق النفسي والاجتماعي، مثلما تؤدي إلى أن قوة عملهم لا تعمل بشكل فعلي في أي نشاط منتج.. إضافة إلى أن كثيراً من العاطلين عن العمل يتصفون بحالات من الاضطراب والقلق، فمثلاً يتسم الكثيرون منهم بعدم السعادة وعدم الرضا والشعور بالعجز وعدم الكفاءة، مما يؤدي إلى اعتلال في صحتهم النفسية، كما أنهم يتعرضون للضغوط النفسية أكثر من غيرهم بسبب معاناتهم من الضائقة المالية التي تسبب لهم الإحباط تجاه جدوى الدراسة، والإحساس بالذنب نتيجة عدم مقدرتهم على إيجاد فرص عمل تفي بالنفقات المطلوبة لإكمال الدراسة والدوام الجامعي بنسبة منطقية، تشعرهم بالاندماج بحياة الجامعة وأفقها.

 لقد جاءت فاتورة الحرب العبثية في بلادنا كبيرة جداً، وخاصة لدى الشباب، من خلال هجرة الطاقات الشابة والعقول النيّرة، إلى استنزاف من بقي من الشباب الجامعي وتركهم في حال يرثى لها، إلى الوضع المعيشي المزري الذي يدفع الطلاب من الجنسين إلى ترك مدرجات الجامعات، والبقاء في الشوارع بحثاً عن أي عمل مهما كان متواضعاً.

 فالشباب الذين اضطروا للنزوح ضمن المدن السّورية، تراجع مستوى الحياة لديهم إلى درجة الفقر والفاقة، مما فاقم الأعباء أثناء تدبير استقرار جديد قد يكون في غالب الأحيان مع جماعات بشرية غير متجانسة من الأقارب أو الجيران، يجمعهم أنهم شهداء أحياء على خراب بلداتهم أو مدنهم.

في ذاكرتهم ثقل الهموم والآلام، كما فيها ثقل طموح وتمسك بالحياة، والأكثر وجعاً ثقل التمسك ببلد لا يقدر على إيوائهم أو التكفل بحمايتهم والإيفاء بأعباء حاجاتهم، وحق التعليم ضمن شروط كريمة متفهمة لأزماتهم.

إن عمل الإنسان في مجال مغاير لتخصصه بسبب الظروف، ظاهرة ليست وليدة السنوات الأخيرة فحسب، إنما ازدادت النسبة أكثر اليوم، متناسين أن تقييم الإنسان لعمله يجب أن يكون من خلال مناسبته لإمكاناته، مما له الأثر في تحقيق ذاته، ومدى قدرته على العطاء وخدمة أهداف العمل الذي يمكن من خلاله أن يفيد نفسه ومجتمعه، لتبقى الشهادة الجامعية مجرد وثيقة قد تحقق لحاملها مكانة مجتمعية معينة.

من المؤشرات المطمئنة لمستقبل أي أمة، الاهتمام بشؤون الشّباب وتوظيف طاقاتهم، وأنه لابد أن يغير من توقعاته وتفضيلاته ليستطيع الفوز في سباق الحصول على مصدر للدخل والنمو اقتصادياً، إما بالحصول على وظيفة واعدة، أو بجرأة القيام بمشروع خاص والسعي للحصول على دعم له.

وكون الجامعة تعمل كالآلة دون تنسيق مع المجتمع، دافعة بآلاف الخريجين إليه بعشوائية وفوضوية دون مراعاة لحاجاته، ودون اهتمام بمستقبل الخريجين، فهذا ما يجعل بلداننا دائما مستنزفة، فلا خطط تهتم بإيجاد حلول للشباب خلال هذه السنوات العصيبة، كأن تمنحهم مثلاً القروض المؤجلة لما بعد التخرج، أو توفر منحه دراسية، توازي الخلل الحاصل بسبب التحاق غالبية الشباب بالجندية والأعمال العسكرية، حتى يبقى الجو المدني في البلد حاضراً.

 ويبقى الأمل معقوداً على الشباب، والمتعلمين منهم خصوصاً، في إعادة إعمار وتنمية البلد بعد توقف الأعمال العسكرية، ليكونوا منارة وأملاً لعودة زملاء وأصدقاء لهم اضطروا للهجرة مرغمين بعد دمار بلداتهم وتهديد حياتهم.. الشباب الذين يعوّل عليهم في تطور التنمية بالسرعة المطلوبة وبالطرق الابداعية المناسبة لواقع المأساة التي نحن عليها اليوم كسوريين.

العدد 1105 - 01/5/2024