الطريق من جنيف إلى منترو

يبدو أن دريئة جنيف لم تغمرها بعد الثلوج السويسرية، رغم العواصف الطبيعية والسياسية العالمية والإقليمية، ورغم التناقضات وحالات التفكيك والتركيب بين الولايات المتحدة وأصدقائها من جهة، وبين التحالفات الإقليمية من جهة ثانية، إضافة إلى القتال بين التنظيمات الإرهابية في سورية، واستمرار كل أشكال الدعم للإرهابيين، والتمزق الحاصل في (الجيش الحر)، يتقدم الجيش العربي السوري في محاور عدة في مختلف المناطق السورية ويحقق هزيمة للظلاميين القادمين من الجهات الأربع، لبناء الدولة الظلامية وتمزيق سورية وتفتيتها إلى إمارات.

إن أحلام الولايات المتحدة الأمريكية ومشروعها الذي تصوَّره (بريجينسكي) عام ،1980 القاضي بأن على أمريكا إشعال الحروب من أجل إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، بصورة تغاير اتفاقية سايكس بيكو، لم يحقق النجاح الذي تريده الإمبريالية الأمريكية. أما مشروع (برنارد لويس)، وهو الباحث المتخصص في التاريخ الإسلامي، فينصّ على تقسيم الشرق الأوسط وفق العرق والدين. وتلقَّفت الإدارة الأمريكية منذ عام 1993 هذا المشروع وتمَّ إدراجه ضمن السياسة المستقبلية لأمريكا.

لقد استكملت (رايس) مضامين جديدة لهذا المشروع ال(البرناردي) الصهيوني، وأطلقت عام 2006 عبارة (الشرق الأوسط الجديد). وكان هذا الإعلان تأكيداً واضحاً بالدقة والتوقيت. وتمَّ عرضه تحت عنوان: (خارطة الطريق العسكرية الأمريكية – البريطانية – الإسرائيلية). ويتمثل هذا المشروع في خلق قوس من عدم الاستقرار والفوضى والعنف، يمتد من لبنان وفلسطين إلى العراق والخليج وإيران و… إلى حدود أفغانستان..!

اليوم.. يقصر الطريق إلى جنيف،2 وتتسارع الخطوات وتتباين التصريحات بين من يدعو للحل السياسي وحلحلة الأزمة السورية وتفكيك عقدها، وبين من يضع العربة أمام الحصان.. وهناك من لا يزال يبثّ هواجسه الغرائبية وشعاراته غير الواقعية تحت عناوين التهديم والقتل واستمرار نزيف دماء السوريين. وهناك دول وقوى تقف إلى جانب الشعب السوري تبذل أقصى الجهود الإقليمية والدولية، لبقاء سورية دولة مستقلة يقرر الشعب السوري مصيرها ومستقبلها، لا جحافل التكفيريين والظلاميين من حاملي السيوف والسواطير لقطع الرؤوس. الأمر الهام أيضاً حماية جنيف2 من (الأنفلونزا الفرنسية والسعودية)، ومن الثلوج الأردوغانية.

تنفَّست الولايات المتحدة الأمريكية الصعداء بعد إنهاء الخلاف حول موضوع النووي الإيراني، بين المجتمع الدولي (مجموعة 5+ 1 وايران). وتخفيف حالة التوتر التي كادت أن تصل إلى القطيعة بين الولايات المتحدة والسعودية في الفترة الأخيرة، وتدمير علاقة الصداقة والتحالف بينهما التي مضى عليها عقوداً.

أما عودة الحوار الفلسطيني – الإسرائيلي فيبدو أن الطريق مسدودة، ولم تظهر بوادر التسوية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، رغم الزيارات التسع التي قام بها وزير الخارجية جون كيري.

لقد جنحت الولايات المتحدة وهي دائما هكذا ومن طبيعة سياستها (الكيل بمكيالين)، وسلكت طريقاً فرعية تؤدي بها إلى (الجبهة الإسلامية)، بعد أن تفتت (الجيش الحر) وتوزع والتحقت أجنحته بتنظيمات إرهابية أخرى، وربما تلاشى، وأرادت أمريكا كما تدعي أن تؤمّن (البديل الإسلامي المعتدل).

ورغم كل ما تقوم به أمريكا من دسائس ومواقف غير ثابتة وتصريحات متغايرة لمسؤولين في البيت الأبيض، إلاَّ أن مسؤولاً أمريكياً في لقائه مع أطراف معارضة قال لهم: (يجب أن تنسوا أن تنحّي الأسد سيتم قبل جنيف2).

هناك تلميحات مطمئنة لعقد جنيف.2. وهناك من يراهن على عقده في موعده، وأطراف أخرى تراهن على فشله، وأنه لن يحقق المراد منه في إيجاد الحل السياسي للأزمة السورية.. وهناك من يؤكد أهمية تشكيل جبهة دولية لمحاربة قوى الإرهاب والتطرف التي باتت تشكل خطراً داهماً على الدول التي أرسلت هذه المجاميع المسلحة الإرهابية إلى سورية.

ويظل الهدف الرئيس من جنيف 2 الوصول إلى الحل السياسي، وتجفيف منابع الإرهاب وإيقاف نزف الدماء، وهو في النتيجة انتصار لإرادة الشعب السوري، فهو صاحب القرار الأول والأخير، في وضع سورية على طريق المدنية والعلمانية والديمقراطية والتطور والازدهار وإعادة بناء مستقبلها.

العدد 1105 - 01/5/2024