الطاعون الأمريكي وجذوره في نيكاراغوا

ما الفرق بين الإرهاب والثورة تحت الغطاء الميكيافيلي (الغاية تبرر الوسيلة). وهل غسل أموال المخدرات بضخها في تمويل السلاح، يمنح دولة الديمقراطية العظمى شرعية دعم الحروب ذات الغلاف التحريري، عندما يكون الثمن تدمير شريحة واسعة من الشباب الأفرو ـ أمريكي. وماذا عن الطاعون الأمريكي حين مد جذوره في نيكاراغوا، كيف قام بنقله المخرج Michael Cuesta) ) في فيلمهKill the Messenger) ) بعد أن اقتبسه من الواقع. أسئلة تعطي تعريفاً دقيقاً لماهية الثورات التي تخرج من تحت العباءة الأمريكية وأهدافها الحقيقية..

تعرض مقدمة تقريرية أخباراً مضت عليها عشر سنوات، ترصد انتشار إدمان المخدرات في المجتمع الأمريكي وتقاطعها مع المصالح الأمريكية الخارجية. وتتوقف عند إدارة ريغان التي أنفقت بلايين الدورات على مكافحة تعاطي المخدرات والنضال من أجل نيكاراغوا. ففي اليوم الذي انتخب فيه ريغان بدأ الكوبيون والسوفييت بإطلاق الثورات في جميع أرجاء أمريكا الوسطى والجنوبية. وعندما وصلوا إلى نيكارغوا باتوا على مشارف قناة بنما. فأراد ريغان كسب الحرب الباردة من خلال تمويل عصابات الكونترا المعادية للشيوعيين في نيكارغوا، والتي أعدت جيشاً ممولاً ومؤسساً من قبل الاستخبارات الأمريكية المركزية. لكن الكونغرس كره جرأة ريغان ورفض تقديم التمويل. لهذا احتاجوا في البيت الأبيض للكثير من المال. وحول مصدر تلك الأموال تدور قصة الفيلم في كاليفورنيا ،1996 عن الصحفي غاري ويبJeremy Renner) ) من صحيفة سان خوسي ميركوري المحلية.

يكتشف غاري أثناء متابعة تفاصيل الحجز الحكومي لممتلكات تجار المخدرات، أن مصادرة الأملاك تتم قبل حصول الإدانة، وأنها لا تستعاد حتى لو تمت تبرئتهم. وهذا التحقيق يقوده إلى وثائق سرية كشفت عنها الحكومة بالخطأ. وتتعلق بأرقام توثق عمليات توريد المخدرات وبيعها إلى الحكومة عن طريق وكلاء الاستخبارات المركزية. وأثناء تواجده في قاعة المحكمة يلتقط طرف الخيط من المدعي الفيدرالي دودسون، ويتعقب تعاملات موكله بلاندون وشبكته الكبيرة لتوريد الكوكايين من نيكاراغوا، والذي يتبين أنه مخبر حكومة وشى بزملائه التجار السود المحليين. ومنهم ريكي الذي يقابله في السجن بصحبة دودسون ويأخذ منه اسم منيسيس شريك بلاندون في نيكاراغوا.

يسافر غاري الى نيكارغوا ويلتقي منيسيس بعد دفع رشوة لآمر السجن. ومنه يتعرف على صفقة الأسلحة مقابل المخدرات. حيث تموه التجارة ببراعة تحمل اسم وجهة النظر الأخرى: (إذا لم يكن للحركات المتمردة أصدقاء أو مال سنكون مجبرين على العيش تحت سقف الحكومة وإملاءاتها). ولكن الصحفي الباحث عن الحقيقة يتجاوز هذه الدعاية ليصل إلى فريد ويل عميل الاستخبارات المشرف على هذه العملية. وبعد مقابلته ومعرفة الحقيقة يغدو مباشرة في قلب التحدي الأصعب في حياة الصحفي المحترف، إذ توضع سمعته ومستقبله المهني في مقامرة مع امتيازات أصحاب الأرصدة الضخمة. ورغم أن ويل كان رئيس التحقيق لجون كيري، إلا أنه أقصي عن منصبه في الأمن القومي، لمدة عشر سنوات قبل أن يسمح له بالعودة الى موقعه في مجلس الشيوخ الأمريكي. ومن هذا المنطلق يحذره، فبعض القصص صادقة أكثر من اللازم روايتها..

ورغم التهديدات يكتب القصة ويطلق عليها اسم تحالف الظلام. وتترافق كتابته مع أغنية يؤديها مغني راب أسود تعكس صور الإذلال والقهر التي عانى منها السود تحت وطأة إجبارهم على إدمان الكوكايين في جنوب ووسط لوس أنجلوس. فيفجر هذا التحقيق غضبهم، ويعتبر أهم قصة صحفية خلال عشرين عاماً، ينال على إثرها لقب صحفي السنة. وتلك كانت بداية النهاية، إذ يحاصر في لقمة عيشه، وتنفى مصادر تحقيقاته ليتم اظهاره على الملأ كفاقد للاحترام والمصداقية. فيسخر أثناء حفل التكريم من مهنة الصحافة الأمريكية التي تدّعي ملامسة الحقيقة، لكنها عملياً تسمح بنشر الأخبار السطحية فقط لا التحقيقات الجيدة التي تثير الجدل بين الناس.

اتخذ رئيس الاستخبارات جون دوتش خطوة غير مسبوقة، فقام بلقاء المواطنين السود، لكنه ترك منصبه بعد شهر. ثم نشرت الاستخبارات تقريراً مفصلاً عن الموضوع لكن الانشغال بفضيحة بيل كلينتون مع مونيكا لوينسكي جعل الصحافة الوطنية تتجاهل موضوع التقرير تماماً. تلك هي خديعة الإعلام الأمريكي: خلق فضيحة موازية يسيل لها لعاب العوام.

العدد 1105 - 01/5/2024