جيل في مهبّ الرّيح!

(شعب يعيش ليأكل، لا يأكل ليعيش)!!

سطت هذه الجملة على عقل الشّعب العربيّ منذ الأزل …

تلهث الشّعوب صباح مساء، فقط كي لا تبقى جوعى!!

منذ نشأة العرب لم يكن الطّعام قوتاً فقط، لنغتني بالحضارة، بالتفكير، بالثقافة.. فالطّعام بنظرهم خُلق لإسكات الجوع!!

كان هناك مرضٌ وراثيّ ينتقل عبر الأجيال قديماً هو(كثرة إنجاب الأولاد)..

_معذورون_!! فكان العمل في الأرض أهم مصدر للعيش، وهذا يستلزم إنجاب عدد كبير من الشّبان (الذكور تحديداً) لأنهم الأقوى بنيوياً للعمل في الأرض..

وبعدما راحت أراضينا، وكست العمارات ما تبقى من تراب، لم يعد العمل في الأرض رغبة الكثيرين…

السؤال: ما العمل بشأن ذاك المرض؟!

بقي المرض ينتقل عبر الأجيال، وما تزال بعض المجتمعات تفتخر بالعدد الكبير من الأولاد..

لم تعِ الأسر ما ضرر إنجاب أولاد كُثر وحرمانهم من معيشة صالحة، كريمة، حرمانهم من حقهم في التعليم، في تجريب دورهم في الحياة الحقّة!

لم تعِ أنه بذاك العدد الكبير من الأولاد، سيأكل ولدٌ حقّ أخيه! وسيأكل الفقر حقّ الجميع!!

سابقاً كانت المعادلة:

أرض (مدخول مالي جيد) + أولاد (يكفيهم الدخل نوعاً ما) =  حياة  شبه مستقرّة

أما الآن :

لا أرض (مدخول ضئيل) + أولاد (لم يعد يكفهم المدخول) = فقر!!

هذه المشكلة بالضبط التي نعاني منها الآن، وبما أنّ الزمان تغيّر نسبياً، فاليوم نحن بحاجة للعلم أكثر من الزمن الماضي، لأن عصر العولمة لم يترك لنا شأناً بالخيار!

لذا ناهض الشّباب المجتمع والفقر الفكريّ بإكمال تعليمهم، لكن كيف لهم أن يقاوموا فقر المال؟؟!!

تحمّل جيلنا رغماً عنه مسؤولية أكبر من مسؤولياته المفترضة، جاهد وناضل ليحصل على مستقبل أفضل من أقرانه السابقين …

الجيل الجديد اليوم، يحارب ويحارب ولا أحد يدفعه إلى الأمام!

أصبح مألوفاً اليوم أن ترى الطلاب يعملون أكثر مما يدرسون، ويرسبون أكثر مما ينجحون!! وأصبح الخيار أمامك إما غنىً ثقافي، أو فقرٌ ماديّ، وفي كلاهما فقر!

نعم .. نعرف أنّ الغنى الثقافيّ أهمّ بكثير، لكن ما الفائدة من عقلٍ ممتلئ ومعدةٍ خاوية ؟؟؟!!!

 فمهما تغيّرت النظريات لا حياة دون قوتٍ فعليّ…

قرّر الشّباب المجازفة قدر الإمكان .. حتى أنه كان يُقال أنّ السّيدات لا تعملنّ، بل يُعمل لأجلهنّ، بعدما كان وإلى الآن، العمل يعيب المرأة بوجود رجل في بعض البيئات، لكن، أصبح من الضروري أن تعمل الفتاة رغم هذا العيب، فالفقر معيبٌ أكثر_لم يعد لا كان ولا إحدى أخواتها!!!_  لم يعد التعليم حقّاً بالنسبة للطلاب، بل أصبح حلماً من ضمن أحلامهم الضئيلة!

 أصبح الطالب العربيّ جنديّاً على جميع الجّبهات، يجب أن يُنتج ويعمل ويدرس ويتثقف وينجح وو و…. إلخ

نرى اليوم غالبية أولئك الجنود، طلاباً في الصباح وعمالاً في المساء!!

يا له من عدل: (طالب إدارة أعمال يعمل بعد دوام الجامعة سائق تاكسي وبعد التّخرج يصبح عاطلاً عن العمل!!)، يا لها من عدالة: ( طالبة تربية تعمل بعد الدّوام الجامعي مبتسمة للزبائن في محلاّت الأسواق، وبعد التّخرج (ستّ بيت)!

وإلى آخره من أمثلة عن طلاّبنا الكرام، أو عن جنودنا البواسل إذا صحّ القول!

الحمد لله أنّ طلاّبنا ما زالوا سيدافعون عن كلّ حقوقهم الإنسانيّة معاً، ولم يتخلوا عن إحداها قدر المستطاع..

وأدعو الله أن يرأف بحال البقيّة الأكبر، الذين خسرهم الغنى بجميع حالاته الماديّة والفكريّة…!

وبلسان الطلاب أصرخ بأعلى الصوت والأمل: نرجو مؤازرة فعليّة للجيل الذي أصبح في مهبّ الريح!!

العدد 1105 - 01/5/2024