صباغة الأخلاق بسواد الأزمات

 

في مجتمعٍ تسوده الأزمات الاقتصادية وعدم الاستقرار الأمني والسياسي، غالباً ما تبدو القيم الأخلاقية، كسلعة مادية متحولة القيمة، وليست ثابتة، تخضع كأي سلعة لقوانين السوق التجارية في العرض والطلب، وربما في أكثر الأحيان تكون قيمة السلع المادية أغلى من قيمة القيم الأخلاقية، وتسيطر على حركتها، وتبدل في مفهومها بشكل ينافي مبادئها المعتادة ضمن العلاقات الاجتماعية.

وغالباً ما يبدو التناقض في أخلاق الأفراد، عند محاولاتهم الوصول إلى المنافع والمصالح الشخصية، ضمن علاقاتهم مع محيطهم الاجتماعي، فتطغى المصلحة الشخصية، وإن كانت سلبية على الأخلاق أثناء التعامل مع الآخرين.

إن حقيقة التواصل بين الأفراد، في المجتمعات الواقعة تحت تأثير الأزمات بكل أنواعها، تبدأ أولاً بالتفكير السلبي، المتمثل بقدرة الفرد على كسب المنافع المادية، واستخدام أي وسيلة أو طريقة توصله إلى ذلك، وربما كان الأمر يحتاج منه إلى المناورة بسلوكه خارج النواميس المعروفة للأخلاق، وقد يصبح مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة)، هو المبدأ السائد في المجتمع، دون استثناءات تُذكر.

وربما نجد في تعامل أقرب الناس إلينا، الكثير من الغموض والتلون المستمر في أسلوب علاقته وارتباطه بالمجتمع، وصار يعتمد على الكثير من الرموز، والعلاقات الغامضة، والإيحاءات المترددة، المواربة، للوصول إلى غاياته خارج الطرق المألوفة أخلاقياً.

إن كانت القيم الأخلاقية هي بالتعريف، مجموعة السلوكيات الإيجابية الراقية والمتحضرة، التي يجب أن يتميز بها الفرد ضمن المجتمع، وبالتالي فمن المفروض أن تسود هذه السلوكيات في التعامل بين أفراده، وعلى رأس هذه القيم، الصدق، وحفظ الكرامة للجميع، واحترام الرأي والقوانين والتعاون الجماعي، والحرص على أملاك وممتلكات الآخرين، والعدل والإنصاف في حل النزاعات الفردية، والعمل الجماعي الإيجابي المشترك، والحفاظ على هذه القيم الأخلاقية التي تؤدي إلى استقرار المجتمع بالكامل مادياً ومعنوياً .

لقد تأثرت القيم الأخلاقية بالأزمات المادية والأمنية والسياسية تأثراً متصاعداً، فتغيرت مفاهيم الأفراد في كثير من الأمور الحياتية، ومن الأمثلة الواضحة تغيّر مفهوم الارتباط بالزواج في الآونة الأخيرة، فصار الشاب أوالفتاة يبحثان عن الطرف الآخر المليء مادياً، دون الأخذ بعين الاعتبار علاقات المحبة والمودة المألوفة في مثل هذا الارتباط، وصارت كل المنتجات الصناعية مخالفة للمواصفات المطلوبة، بقصد الربح السريع، إضافة إلى أن العلاقات التجارية تعتمد على التلاعب بالأسعار بأشكال مختلفة. حتى في مجال التربية والتعليم استشرى الفساد في كل المراحل والمفاصل، وخاصة التعليم الجامعي.

وللأسف يمكن القول إن الفساد وصل في ظل الظروف الراهنة المترعة بالأزمات، إلى المهن الطبية والصحية، ونسي بعض العاملين فيها قسم أبو قراط، وأتمنى أن لا أتكلم عن المحاكم والقضاء، وإن كان أكثر أنواع الفساد قد وصل إليهما. هذا هو بعض حال القيم الأخلاقية خلال الأزمات المختلفة التي تنهش المجتمع.

لقد نسي الناس أو تناسوا في ظل الأزمات المفاهيم الأخلاقية التي أوصت بها جميع الفلسفات القديمة والحديثة، وجميع الأديان السماوية، والمذاهب الفكرية، التي تصر على تكريس مفاهيم المحبة والعطف والإحسان والصدق وصلة الرحم والتآخي بين البشر، والوقوف إلى جانب الضعيف والمحتاج، وإغاثة الملهوف، وجودة العمل والإنتاج، إلى ما هنالك من قيم إيجابية.

 ومن المؤسف أن تنزاح كل تلك القيم أمام طوفان الأزمات الجارفة.

العدد 1105 - 01/5/2024