طفل ليس من صلب أحد!!

شاءت الفطرة والغريزة أن يتكوّن من بيولوجيا الجسم الذكري باختلاطه بالجسم الأنثويّ كائن بشريّ جديد…

نشأ إذاً (طفل) _يا أهلا و سهلا_!!

منذ زمن بعيد كان الطفل عبارة عن مزيج بين الصنفين الوحيدين الموجودين (الذكر، الأنثى)، لم يكن هناكأي هدف لإنجاب الأطفال إلا استمرار النسل وديمومة البشريّة..

وبما أنّ العالم في حالة تطوّر دائم، تغيّرت الأهداف!

سابقاً سيطر (الجنس) على محور الحياة لأنه الغريزة المفروضة، لكن مع مرور الزمن خضعت تلك الغريزة لسيطرة العقل الذي بدأ يكتشف الإيجاب والسلب في كلّ ما حوله.. ومع تكوّن المجتمعات، وخلق قوانين احترام الجماعة والأخلاق، لم يعد الجنس غاية مطلقة ودون سيطرة، بل أصبحت واجبات الحياة تفرض على المجتمع التزامات مختلفة عن تلك الغريزة، كما لم يعد الطفل عنصر استمرار بشريّ بحت..، بل أصبح جسراً نحو المستقبل تُعلّق عليه أسرته أحلامها التي سيكبُر وهو ينوء بحملها كأثقال على ظهره إلى ما لا نهاية!!

جسور بلا أعمدة!

في بلداننا العربيّة، يعيش الطفل خالياً من البراءة، لأن المجتمع سرقها منه منذ الصغر، يترعرع وفي أذنيه بكاء أمّه، وصراخ أخيه، وسباب أبيه، وقهر أخته.. إلخ.

في مجتمع طاف فيه الهمّ عن حدّه المعقول!

أما اليوم، ونحن ننازع في مستنقع الأزمة السورية الذي زاد الطين بلّة!

أصبح الطّفل جسر المجتمع السوريّ بأكمله، يرمون على عاتقه هموم بلدٍ بحاله!

عاشت الطفولة سابقاً، وهي تحمل حقدها الدفين على محتلين سابقين آنذاك.. منذ الولادة يكبر مع الطفل حقد دفين على من أهان بلاده سابقاً… وحاضراً!! الطفولة اليوم تُخلق دون أن تعرف على من يجب أن تحقد، ولا ممن يجب أن تحزن؟! من ستحارب عندما تكبر؟!

نعم.. من ستحارب؟!

يكفي أنّك عربيّ ليخلق في رأسك أنك مشروع مقاتل حتى لو دون سلاح!

خلقت الأزمة السورية حقّدة من جميع الجهات، ولجميع الأسباب (اختلط الحابل بالنّابل)!

دائماً بعد نهاية كلّ حرب ربما يخسر تاجر السلاح، ولكن ستربح الأرصفة مشرّدين جدد!

(يقولون: إذا خُلقنا في الدنيا ونحن نبكي، فمن أين يأتي التفاؤل..؟).

بعيداً عن العلم والأسباب المنطقية لضرورة شهيق النفس الأوّل للطفل بالبكاء كي تسري الدورة الدموية…. إلخ.

فتلك المقولة صحيحة، إذ تشيخ روح الطفولة فينا قبل بلوغ ريعان الشباب!

 الأزمة زادت أوجاع الناس، وزادت معنوياً عقد الأطفال النفسية، بسبب واقع لم يكن لهم يد في الوصول إليه.

داست الأزمة على قلوب السوريين، قتلت مشاعرهم، ذبحت عواطفهم، عمّرت نزعتهم الطائفية، شتتّت أسرهم، وأحرقت أحلامهم المعلّقة..!

سيكبُر يوماً ما طفل من هذا الزمان (زمن الأزمة السورية)، سيحكي للأجيال أنّ ما مرّ لم يكن حرباً أهليّة، لأنه بالأصل لم يُعرف سبب الحرب، وأنّ ما مرّ لم يكن احتلالاً أوربياً.. ولا احتلالاً عربياً..!

سيحكي لهم أنّ العربي خُلق ليقترف الحماقات.. فهو إن لم يجد من يقتله..، سيقتل نفسه بنفسه!

عندما يكبُر ذاك الطفل، سيحكي لهم كم تحمّل من حقد لا ذنب له فيه، على من لا ذنب لهم فيه!

سيكبُر قبل أوانه..!

سيعيش بصمتٍ كما خُلق بصمت! صمت لروحه الميّتة على قيد الحياة!

سيحارب بعواطفه إلى الرّمق الأخير، إلى آخر واحدٍ سيموت في البحر،

ليموت هنا.. ويُخلق من هناك طفلاً من جديد!

العدد 1104 - 24/4/2024