ماذا لو تكاتفنا؟!

تكبّدت سوريتنا انشقاقات نفسيّة وتشتّتاً اجتماعياً بُعيد الأزمة السورية.

لم يكُ الشعب السوريّ يعرف معنى الطائفيّة إلا عبر العادات والتقاليد، وعبر ما ألقمونا إياه أجدادنا من أعراف.

ولم يكُ لها استعمال عملي نسبياً..

كان الدين عبارة عن حريّة شخصية وذاتية مهما كان اتجاه الطائفة!

عاش المجتمع السوري فترة طويلة هادئاً نوعاً ما، يتعايش بسلمٍ نسبيّ فيما بينه..، إلى أن حلّت علينا لعنة الحرب مجدداً..!!

عندما اخترنا حكّ الفانوس الخاطئ لينشلنا من واقعنا إلى واقع أفضل..

لم يظهر العفريت الجيّد، بل ظهر الشيطان بنفسه وسفّح بنا..!!

علّمنا أننا غرباء عن بعضنا رغم أننا أبناء وطنٍ واحد..

أنني لا أشبهك حتى لو كنّا جميعنا بشر!!

و بالرغم من أنّ معظمنا إسلام، فمذهبك لا يتفق مع مذهبي! فإذاً إلهك ليس هو إلهي..، و معبودك غير معبودي، ومعتقداتك لا تشبه معتقداتي….الخ!!

أين أصبحنا بحقّ الله!!

أنحن السوريون بحقّ؟؟!!

الشعب المتآخي بالدم وبالوطنيّة

بعدما ظهرت داعش الدولة الإرهابية الناطقة باسم إسلامهم المُستعار، تعززت الطائفية في غالبية عقول الشعب.. وفانوسهم أصابنا بلعنة وتنويم مغناطيسي..!

لم يعد شيئ كما كان..!

يؤسفنا أن تعرف تقاليدنا أنّ علاج اللعنة يحتاج إلى تعاويذ شيطانية وطقوس سحريّة وقرابين ليست مألوفة لفكّه!!

سورية البلد التي كانت تسحر من يراها.. تحتاج اليوم إلى سحرٍ تبطل فيه اللعنة التي حلّت بها؟؟!!

كان الشعب السوري من قبل يحبّ بالفطرة، يفتح ذراعيه وأبواب بيوته لكلّ قادم مهما كان ومهما كانت (طائفته)..!

في قديم الزمان كنا بيتاً واحداً، وسُفَر طعامٍ واحدة، ولدينا ربّ واحد.. ووطن واحد…

ماذا حصل لنا بحقّ الله؟!

لم يعد الشباب السوري يقدم من تلقاء نفسه لمساعدة أخيه..

سطا على عقولنا الخوف من كلّ شيء من كلّ شخص..

نحسب ألف حساب للخيانة قبل أن نتوقع نسبة ضئيلة من الوفاء!!

الكلّ أصبح متأهّباً وبحالة استنفار استعداداً لأيّ كسرٍ نفسيّ جديد!!

أهو ذاك الفانوس ؟!

تعالوا نعيد ذاك الشيطان إلى بيته، ونرميه بعيداً جداً..

تعالوا نتظاهر بالحبّ اليوميّ إلى أن يصبح لدينا الحبّ عادة..

تعالوا لنجرّب الأخوّة بحقّ، أحميك في ظهرك، وتَرُدّ عني في غيابي..

لماذا لا أشاركك فقرك في ظلّ هذه الحرب وتشاركني أحزاني؟! أو العكس..

لماذا لا نقف على الجبهة نفسها أنا وأنت و ندافع عن الوطن نفسه، عن المعتقدات نفسها، عن الأرواح ذاتها  التي تذهب سدىً، عن الربّ ذاته.. وضدّ العدوّ نفسه..!!

سأجرّب أن أعطيك حجراً لا لتضرب به..

بل لترمم بيتك الذي انكسر في داخلك..

لتجرّب أن تعطني جبساً أُجبر به خواطر الجرحى المظلومين والشرفاء..

ماذا لو جلسنا جلسة طويلة مع أنفسنا، فهمنا فيها كيف كنّا وماذا حلّ بنا..

ماذا لو بحثنا عن رأس الخيط كما يُقال، أو رأس الأفعى بمصطلحٍ أفضل..

و لنعتبر قتل تلك الأفعى آخر عملية سفك دمّ..!

لنجرّب أن نعيد جدار الثقة بيننا، جدار الحبّ والأمان في قلوبنا..

يا أخي السوري لنفكّر قليلاً.. ماذا لو تكاتفنا؟؟

سنضع اللاصق الطبيّ على كلّ تقسيمات الوطن..

سنضع الكحول لتطهير النفوس المريضة من أرضنا..

لنعطِ اهتماماً أكثر من المعقول للسؤال نفسه:

ماذا لو تكاتفنا؟؟!!

العدد 1105 - 01/5/2024