هجرة الشباب بين الضرر والضرورة

العولمة والتطور التكنولوجي وثورة المعلومات والاتصالات ساهمت كلها في إحداث تحولات وتغيرات في المجتمع الإنساني الذي يحتاج بناؤه وحمايته إلى الاعتماد على طاقة الشباب المحركة لجميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. ويحتاج أيضاً إلى تشريعات قانونية متكاملة تصون وترعى حقوق الإنسان، من صحة وتعليم وثقافة وبيئة وسكن وعمل ودخل وضمان اجتماعي وعدالة اجتماعية. وتعتبر هذه الحقوق الفردية من الأولويات التي نصت على حمايتها المواثيق الدولية والدساتير والتشريعات الوطنية، فالهجرة من الحقوق الطبيعية التي أقرّها فقهاء القانون الدولي لما تحققه من منافع وتفاعل بين الحضارات.

فقد كفل الدستور السوري للأفراد حق التنقل وحرية الإقامة في المادة 38  التي نصت على:

  1- لا يجوز إبعاد المواطن عن الوطن أو منعه من العودة إليه.

3- لكل مواطن الحق بالتنقل في أراضي الدولة أو مغادرتها إلا إذا مُنع من ذلك بقرار من القضاء المختص أو من النيابة العامة او تنفيذاً لقوانين الصحة أو السلامة العامة.

 وقد نظم الدستور والقانون السوري الهجرة عبر وسائل وطرق قانونية.

ولكن المشكلة تُثار عندما تحدث هذه الهجرة خارج الإطار الذي تنظمه القوانين الدولية والإقليمية، لما في ذلك من خرق لسيادة الدولة على إقليمها، لذلك وضعت الدول المستقبلة للمهاجرين قيود وضوابط صارمة على القادمين إليها من الخارج، كما اهتمت معظم دول العالم بقضية الهجرة غير القانونية التي تديرها عصابات الإجرام المنظم عبر شبكات تهريب عالمية مرتبطة بقضايا الإتجار بالأعضاء البشرية والمخدرات والدعارة والاستغلال الجنسي للنساء والأطفال.

وقد بذلت سورية على المستويين الإقليمي والدولي جهوداً لمكافحة الهجرة غير الشرعية، بالمصادقة على العديد من الاتفاقيات الدولية الهادفة إلى مكافحة هذه الهجرة. إضافة إلى تفاعلها مع منظومة التعاون الإقليمي بمصادقتها وانضمامها إلى العديد من الاتفاقيات.

وكذلك إبرامها للعديد من الاتفاقيات الثنائية في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية.  أما على مستوى التشريعات الوطنية فقد جرّمت الأفعال المتصلة بها بمجموعة من القوانين والمراسيم التشريعية. فقد جرم المشرع السوري الدخول والخروج للأجانب من وإلى الإقليم الوطني بصورة غير قانونية بموجب القانون رقم42 الخاص بتنظيم جوازات السفر للمواطنين، والذي نص على (عدم جواز مغادرة المواطنين أراضي الدولة إلا من الأماكن المخصصة للمغادرة أو بموجب جوازات سفر نظامية ).

أما في قانون العقوبات السوري فقد جرم الأفعال المتصلة بظاهرة الهجرة غير الشرعية بالمادة 452 – ف1 التي نصت على (1- يعاقب بالحبس من شهر إلى سنتين من حصل بذكر هوية كاذبة على جواز سفر أو ورقة طريق أو تذكرة مرور). وعالج هذه الظاهرة أيضاً بالمرسوم التشريعي رقم 3 لعام 2010 المتعلقة بمكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص، إذ نص في المادة 6 منه على (أحد الأفعال المكونة للركن المادي لجريمة الاتجار بالأشخاص هو نقل شخص طبيعي عبر الحدود الوطنية للجمهورية العربية السورية).

و نتيجة للأزمة التي تمر بها سورية والتي أدت إلى تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية ساهمت في ارتفاع معدلات البطالة والفقر بسبب ركود  حركة السوق التجارية وتحالف المفسدين مع بعض أصحاب الرساميل وعدم الاستقرار السياسي والأمني نتيجة النزاع المسلح وانعدام العدالة الاجتماعية، كل ذلك أشاع اليأس لدى الشباب وعمّق الأزمة والضغوط عليهم ودفعهم للهجرة سواء أكانت مشروعة أو غير مشروعة، بغية تحسين أوضاعهم المادية والابتعاد عن ساحة المعارك والقتال، أو لتحقيق مستوى علمي غير مدركين لمخاطر هذه الهجرة.

و باعتبار ظاهرة الهجرة غير القانونية ظاهرة دخيلة وخطيرة على المجتمع السوري يقتضي تجريمها بأحكام قانونية مستقلة حديثة تتلاءم والمستجدات الإقليمية والمحلية. فالفراغ التشريعي وعدم وجود قانون أو نصوص واضحة تعالج وتجرم المسببين في تهريب السوريين من الإقليم السوري إلى الخارج ساهم في تشجيع عصابات التهريب من وسطاء ومهربين وقادة قوارب ومكاتب الهجرة. ونتيجة لعدم وجود تشريع وطني موحد يجرم الهجرة غير المشروعة وعمليات تهريب المهاجرين، فهذا لا يخرجها عن الإطار التقليدي غير الفعال في معالجة تلك الظاهرة.

وللحد من هذه الظاهرة الفردية، وحتى لا تتحول إلى جريمة نمطية يصعب السيطرة عليها، وتؤدي إلى إفراغ البلاد من قوة الشباب الفاعل لبناء دولة الحق والقانون، فعلى الدولة أن تأخذ بزمام المبادرة لإعادة الثقة بمؤسساتها وإعادة دورها الاقتصادي والاجتماعي وتأمين احتياجات الأفراد الأساسية لتحقيق عملية التنمية المتوازنة والدائمة والمستدامة، بالتزامن مع القضاء على الفساد الاقتصادي والإداري والبيروقراطية الإدارية والمحسوبية والواسطة، وبهذا نضمن بقاء الشباب هنا لبناء دولة سورية الحديثة.

العدد 1105 - 01/5/2024