التجميل في ظل غياب المسؤولية الطبية

الإنسان من حيث المبدأ ليس حر التصرف بجسده الذي اجتمع فيه الجمال والجوهر الإنساني ليشكلا قيمة إنسانية تمثلت في أحسن تقويم منحها الله تعالى لعباده. فقد وضعت قيود دينية واجتماعية وأخلاقية وقانونية على حرية الإنسان للتصرف بحياته وجسده فلا يحق له تجاوزها تحت طائلة التجريم والعقاب والتحريم.

كان للمظهر الخارجي للإنسان قيمة وتأثير كبيران بين الناس، فقد أثرت العيوب الطبيعية والمكتسبة في ظاهر الجسم البشري على القيمة الشخصية والاجتماعية للفرد، فكانت سبباً من أسباب الأمراض النفسية كالكآبة والانطواء والقنوط والشعور بالحزن والإحباط.

ومع تطور الاحتياجات الإنسانية، ونتيجة التطور العلمي والتكنولوجي، وخاصة في علم الطب وعلم الجراحة وصولاً إلى جراحة التجميل التي كان الغرض منها ترميم الجسم البشري وإعادة بنائه في حالات التشوه والكسور، وإما لتحسين الجسم البشري وفقاً لرغبة الإنسان، وهي جراحة كمالية من أجل استمرار الحياة وإعادة تأهيل الإنسان للعودة إلى المجتمع شخصاً طبيعياً خالياً من الإعاقة الجسدية والنفسية الناتجة عن التشوه.

وهذه الجراحة مشروعة قانوناً لكونها علاجاً وعملاً طبياً عاماًبشروط منصوص عليها وفق القواعد العامة، وهي تقبل النجاح والفشل.

فالقانون السوري لا يجيز إجراء عمليات التجميل إلا من قبل طبيب حاصل على شهادة اختصاصية بالتجميل وحاصل على رخصة من وزارة الصحة بممارسة هذه المهنة، وأيضاً له خبرة علمية وفنية معترف بها قانونياً وفنياً.

فقد نصت المادة 185 من قانون العقوبات على إجازة العمليات الجراحية إذا تمت وفق الشروط المحددة لها، فقد نصت على:

 1-لايعدّ الفعل الذي يجيزه القانون جريمة.

 -2-يجيز القانون العمليات الجراحية والعلاجات الطبية المنطبقة على أصول الفن شرط أن تجرى برضا العليل أو رضا ممثليه الشرعيين أو حالة الضرورة الماسة.

وقد سمحت وزارة الصحة للطبيب الجراح بممارسة اختصاص الجراحة التجميلية، وأيضاً لطبيب الجلدية بممارسة بعض اختصاصات التجميل للبشرة والشعر، وسمحت أيضاً لأطباء الأنف والأذن والحنجرة بإجراء عمليات تجميل للوجه بما فيه الأنف والأذن والشفاه والخدود.

والتشريع السوري اعتبر الطبيب مسؤولاً عن الأضرار التي يلحقها بالمريض كونه يتعامل مع جسم بشري قد يصيبه بضرر ربما يؤدي إلى الوفاة أو إلى عاهات أو أعطال مستديمة أو مؤقتة، وقد يكون ذلك بقصد أو بغير قصد، لذلك يُسأل الطبيب عن هذه الأفعال طبقاً للقواعد العامة المنصوص عليه في قانون العقوبات استناداً لأحكام المسؤولية الجزائية.

 نصت المادة 189 من قانون العقوبات عن طبيعة الخطأ الذي يسأل عنه الطبيب أو غير الطبيب: (يكون الخطأ إذا نجم الفعل الضار عن الأهمال أو قلة الاحتراز أو عدم مراعاة الشرائع والأنظمة).

وأيضاً نصت المادة 190 من قانون العقوبات على: (تكون الجريمة غير مقصودة سواء لم يتوقع الفاعل نتيجة فعله أو عدم فعله المخطئين وكان في استطاعته أو من واجبه أن يتوقعها وسواء توقعها فحسب أن بإمكانه اجتنابها).

وأيضاً استند المشرع على مسؤولية الطبيب عن أخطائه وفق المواد التالية من قانون العقوبات: 550-551-565-455-228-229-590-525.

أما من ناحية تحديد المسؤولية المدنية للطبيب المتمثلة بالتعويض، والتي تناولها القانون المدني واعتبرها مسؤولية تقصيرية وفقاً لأحكام المادة 164 منه، التي تنص على: (كل خطأ سبّب ضرراً للغير يلزم مرتكبه بالتعويض)، وأيضاً ملاحقته بموجب المادتين 71-74 من النظام الداخلي للأطباء البشريين بناء على شكوى أو إخبار خطي من المضرور وتفرض بحق الطبيب عقوبات مسلكية.

وبعد أن حادت جراحات التجميل عن هدفها الأساسي، وتوجه الكثير من الرجال والنساء لإجرائها بغية الكمال، وتحولها إلى صناعة تقتات عليها شركات عملاقة مختصة بمستحضرات التجميل والأدوات الطبية، وانتشار صالونات التجميل التي هي مراكز حلاقة ووشم ومكياج، وأصبحت أيضاً تستخدم حقن مواد التجميل من بوتكس أو سيلكون وزراعة الشعر والقضاء على التجاعيد ونحت الجسم باستخدام الليزر بأيدي غير مختصين، وذلك كله في غياب رقابة تامة من وزارة الصحة بحجة تابعيتها لجمعية الحلاقين وعدم وجود شكوى ضدها.

فأصبح يتوارى خلف الصالونات التي لا تتوافر فيها المعايير الطبية اللازمة حكايات تروى وأخرى تبقى طي الكتمان، في الوقت الذي تسعى فيه الفتاة أو المرأة إلى الكمال والجمال، وتنال عوضاً عنه نتائج كارثية بسبب استخدام مواد رديئة الصنع تؤدي إلى حدوث تسمم، وحتى سرطانات وحدوث وفاة في بعض الحالات، في ظل فوضى زيادة مراكز التجميل وغياب قانون ناظم لمهنة، ولأنها دون إشراف طبي وبسبب ضعف رقابة وزراتي الصحة والعمل ولجنة حماية المستهلك وجمعية الحلاقين وتداخل الصلاحيات في ما بينها ما شجع مراكز التجميل المرخصة وغير المرخصة على استخدام هذه المواد بعيداً عن إجراءات الأمن والسلامة.

إن وجود فراغ قانوني يحمي الجراح والضحية، يحتم على المشرع السوري وعلى الجهات المختصة تحديد أنواع الخطأ الطبي بشكل واضح ومعلن عنه بقانون حديث يضم كل القرارات والقوانين التي نظمت هذه الحماية، بدل التوسع بالقاعدة الفقهية لسلوك الرجل المعتاد وهي المبرر للتخلص من العقوبة، وصولاً إلى مشروع قانون المسؤولية الطبية، واعتبار الطبيب المسؤول المباشر عن إهماله، مع التشديد على وجود ملف طبي قبل إجراء عملية التجميل للحد من المضاعفات والآثار الجانبية.

هذه العمليات يجب الحد منها لأنها سوف تلبس العالم وجهاً مزيفاً وخدّاعاً وتخفي الحقيقة وتتوارى خلف أقنعة باهتة بدلاً من جمال الجوهر.

العدد 1105 - 01/5/2024