هجرة الشباب.. نزيف قاتل للبلاد

عندما نتحدث عن الشباب، إنما نتحدث عن مستقبل البلاد بما يحملونه من إمكانات متنوعة فكرية وعلمية وحتى جسدية، يقع على كاهلها بناء المجتمع وتطوره استناداً إلى مبدأ المواطنة الحقيقية التي تعزز انتماء الشباب إلى أوطانهم من خلال الوصول إلى حقوقهم وإتاحة الفرص أمامهم لإبراز طاقاتهم كافة.

غير أن الواقع في بلداننا للأسف معاكس لطموحات الشباب، وبالتالي هو واقع مُزرٍ يغتال أحلامهم مثلما يغتال طاقاتهم التي تذروها رياح الخيبة وانعدام العدالة والمساواة، إضافة إلى انعدام الثقة ما بين الحكومات والشباب، لانتفاء مبدأ المواطنة، وغياب سلطة الدستور والقانون، ليحلّ مكانها مبدأ المحسوبيات وما شابه، وكذلك سيادة السلطات الأمنية التي تقف بالمرصاد لتوجهات الشباب وطموحاتهم، وفوق ذلك كله تخلف خطط التنمية وعدم ربط مخرجات التعليم بسوق العمل وحاجة المجتمع، مما يؤدي إلى بطالة قاتلة تطول حتى خريجي الجامعات بقدر لا يُستهان به، ما يجعلهم فئات مهمّشة، أو كمّاً فائضاً لا حاجة إليه.

 ويصبح الوضع أكثر مأساوية حين تنشب حرب كالتي نشهدها منذ أكثر من أربع سنوات، في ظلّ أزمة التهمت الشباب قتلاً واختطافاً واعتقالاً واستشهاداً حتى كادت البلاد أن تخلو من شبابها الذين افتقدوا الأمن والأمان أنّى توجهوا.

وحين يجد الشباب أنه أمام أفق مسدود نتيجة تلك الأوضاع المأساوية، وحين يتلاشى من نفسه تقدير الذات، يُصبح فاقداً لحس الانتماء، ويتملكه هاجس الهجرة بعيداً لأنه لا يملك ما يخسره، فلِمَ لا يحاول في بلدٍ قد يعطيه ما افتقده في وطنه..؟ وبذا يكون الوطن الذي استهترت حكوماته بطاقات الشباب، قد وقع في فخ استنزاف كل إمكانات نهوضه وتقدمه، وبالتالي يعيش نزيفاً متعدد الوجوه والاتجاهات بخسارته لشبابه عماد مستقبله. 

العدد 1105 - 01/5/2024