هجرة الشباب وصمة على جبين وطن

أجد أن  الحديث عن هجرة الشباب السوري كالحديث عن ألم مزمن مستفحل لا يمكن السيطرة عليه، وجرح لا يندمل، لأن مآلاته القريبة والبعيدة بمجملها محبطة ومخزية أيضاً، فهي تصدمنا بكل الحقائق التي نحاول الابتعاد عنها بالتورية حين الوقوف عند تداعياتها… ولما كانت مواجهة مشاكلنا لازماً فهي تقتضي الوقوف عند أسبابها..

 وهذه الأسباب كما أجدها هي:

– أسباب نفسيّة: تتصل  بجو القلق والخوف المخيم على واقع الحياة  في عموم سورية، بسبب الحرب والموت اليومي المتكرر، والذي أغلب ضحاياه هم من الشّباب، إضافة إلى أجواء العطالة الكبيرة وهدر الطاقات الشّابة.

مما جعل الاكتئاب يطول الكثير من الشّباب، وقد يكون مرده لفقد هؤلاء الشباب إخوتهم أو أحد أصدقائهم أو أقاربهم في أعمار مماثلة لأعمارهم، مما جعل الموت هاجسهم والحياة متعثرة أمامهم، لتكون العدوى النفسية فكرة هاجسية أصابت الشباب عند سماعهم لخيارات بعضهم، فعندما تسافر مجموعة من الشباب إلى بلد ما، تجعل من يسمع بذلك من معارفهم يشعرون بالاضطراب والشعور بالفراغ والفقد، من هنا تبدأ المقارنة ومحاولات الاقتداء..

– أسباب اجتماعية: وأهمّها آفة الخوف من الثأر والانتقام، التي تحرّضت بفعل القتل المدفوع بدوافع طائفية أو اعتبارات طبقية وغيرها من التصنيفات الاجتماعية، ففي بنية اللاشعور الجمعي ماتزال هذه الآفة موجودة تحركها الأحقاد والضغائن والاستفزازات المهددة بعدم الأمن.

– الأسباب الأمنية التي تعشش في البلاد، من سيطرة أجواء عدم الامان لدى جميع السوريين على امتداد البلاد ولدى كل الفئات، وأيضاً حوادث الاعتقالات والاختطاف المتكررة ، تجعل الكثير من الاسر تضحي بالكثير بما تملك لتنقذ أولادها ولاسيما الشباب منهم بإبعادهم عن جو الموت، إضافة إلى استحقاق خدمة العلم الذي يستغرق زمناً أضعاف المرات مما كان قبل الحرب، فخدمة الجيش دائماً تربك الشباب المتعلم حتى قبل الحرب، ونجدهم يستبعدونها بطرق مختلفة من دفع البدل أو التأجيل المتكرر..

 ولأجل كل ما تقدم  أرى أنه  لمواجهة هذه الظاهرة بجديّة، لابدّ من التّأكيد على أهمية الدّور الملقى على الشّباب فيما بعد الحرب، نتيجة فظاعة الدّمار والخراب الحاصل في البلاد، والذي مازال مستمراً، وهجرة الشّباب من ذوي التّخصصات العلمية تجعل احتمالية عودة أولئك الشّباب بعد وقف الحرب غير مضمونة، لأنها تسبب لهم الهدر في حياتهم بعد أن يكونوا قد عانوا  ليحصلوا على فرص لهم في بلاد المهجر، وبذلك تصبح عودتهم في حال حصولهم على فرص جيدة غير مشجعة بعد معاناتهم التي تسببت بهدر للوقت والمتاعب المختلفة، أما الحال الثاني الذي أفترضه فيتصل بالوضع النّفسي المتردي الذي يطول الشّباب المتعثرين في تأمين الفرص المناسبة نتيجة الهجرة، وبالتالي حين عودتهم يصبحون في حالة غير مهيأة للعمل والبناء ويصبحون عبئاً على الدولة.

 غياب رؤية استراتيجية لمستقبل سورية، من خلال وضع خطة استراتيجية واضحة لوقف الحرب، وتفعيل العمل المدني، وخلق فرص عمل متميزة تستوعب خبرات الشّباب وطموحهم.. وعوداً على بدء، إنّ الأخذ بالأسباب الموصلة لهجرة الطاقات الشابة في بلادنا، يستدعي معالجة ملحة تبدأ كما أجدها من تصحيح المفاهيم الخاطئة أولاً عند الشّباب حول السّفر، هذه المفاهيم التي باتت تشوّه معنى الانتماء واختلاط الهويّة لدى الشّباب السّوري، مما يقتضي العمل على بعد استراتيجي وطني شامل، يتم عبره تناول هذا الملف البالغ الأهمية من خلال الاستعانة بخبراء نفسيين وتربويين واختصاصيين اجتماعيين وخبراء في التّنمية البّشرية، وربما رجال أعمال واستشاريين دوليين حول كيفية استقطاب الطاقات وجذب حضورها، مما يستدعي برامج توعية واطمئنان للشباب بأسلوب غير تقليدي بغية بث الأمل بوضع حلول عملية، ومنح الاستقرار لهم، وإشعارهم بالأهمية والتقدير من خلال إبداء الحرص عليهم، وبالتالي السّعي لرعايتهم لأنهم ثروة حقيقية، ولأن خسارة الشّباب خسارة لأسرهم وبلدهم لا يمكن تجاوز آثارها في المدى القريب على المستويين الخاص والعام.

العدد 1105 - 01/5/2024