مشاكلنا أصبحت بسعر الجملة!

عمل العرب منذ القدم على تصدير الشباب بطريقة غير مباشرة!

فكانت المِنح الدراسية الغربية أوّل عملية خفيّة استخدمها الغرب لخطف النخبة العرب من بيئتهم عبر مغريات لن يحلم المواطن العربي بها في بلده!

هذه الظاهرة كانت من أهمّ المظاهر التي ساهمت في استنزاف طاقات الشباب العربيّ الفكريّة..

وتعتبر هذه الهجرة من أنواع الهجرة الطوعية الأساسية قبل الأزمة السورية.

الجميع تناول محور المقارنة في حالنا ما قبل مصيبتنا السورية التي حلّت بنا منذ عام 2011 وما بعدها.

إن كان في الكوب نصفٌ ممتلئ _كما يقول المثل_  فالماء قد سال من الكأس إلى أن تحوّل إلى دم!!

لعنة الحرب التي لا تملك أهدافاً لا مباشرة و لا غير مباشرة!

لم يعد تصدير الشباب اليوم مهنة الغرب لاستجلاب أدوات لتنفيذ سياستهم الفكريّة!

فافتعال الحرب السورية كان أكثر ربحاً لهم!

وفّرت الأزمة السورية بيئة خصبة للموت بالمجّان …!!!

***

في المرحلة ما قبل 2011 كان يسود المنطقة السورية نوع من الجمود وحالة روتينية شبه طبيعية.

فكلّ شاب سوري كان روتين حياته إما تعلّم دون عمل، وفي النهاية بطالة، وإما عمل دون علم، وفي النهاية جهل..

كانت جميع الحلول المتاحة عبارة عن مسكّنات سريعة الزوال..

حلّت الأزمة على الواقع السوريّ ، كرّست ما كان من سلبيات، وأنتجت سلبيات  أخرى من نوع جديد.

 أصبح الواقع السوريّ كالدائرة التي باتت تضيق وتضيق إلى أن خفّ الأوكسجين وضاق نفَس الشعب!

لم تعد الدائرة السورية تسع شعبها، ففي خيار كهذا إما أن تصمد في وجه ضيق هذه الدائرة، وإما أن تخرج منها وترحل عنها!

الهجرة.. كانت أوّل عامل للخلاص من ذاك الضيق ..

بدأت سورية بتصدير أبنائها من جديد إلى جميع دول العالم تقريباً!

فالشاب السوري عاش حياته إما مكافحاً في المدرسة لينعم بمعاشٍ وظيفيّ لا يكفي ربع الالتزامات اليومية!

هذا بعدما عانى نصف عمره ليحصل على تلك الوظيفة التي قد يقضي البعض عمرهم كله ولا يحصلون عليها!

وإما عاملاً أبديّاً يلهث أعوامه أجمع ليحصل على النتيجة نفسها نوعاً ما!!

فكانت الهجرة بعيد ذاك الضيق هي الحلّ الوحيد للغالبية في المجتمع السوريّ

أصبح العبث بمستقبل السوري شغلة من لا يملك شغلاً في هذا الزمن…!

وبمعنى أوضح أصبح السوري منبوذاً من أغلب المناطق العربية!

ونستطيع القول إن السوريين أصبحوا يحتلّون أغلبيّة مناطق العالم .. بعدما كان السوري من أكثر الناس الذين يستحقون الاحترام، أصبح اليوم الصيغة التي يغصّ السامع إذ يسمعها!

الوطن السوري في انحدار..

الشعب السوري في انحسار ..!

مع نزول الدولار الأميركي الذي بات عندنا من أهم العُملات اليوم!!

نزلت أسعار المشاكل..

والمؤسف أنّ معظم الشعب السوريّ يساهم في شراء مشاكلنا بسعر الجملة!!

فإلى أين المفرّ..؟ وأين المُستقر..؟

العدد 1105 - 01/5/2024