مؤتمر جنيف 2 يبدأ اليوم.. والسوريون ينتظرون!

وافق (الائتلافيون) أخيراً، في اجتماعهم يوم السبت الماضي، بعد ضغوط وتجاذبات وانسحابات على المشاركة في مؤتمر جنيف 2 ونال القرار 58 صوتاً من أصل 121 عدد أعضاء الائتلاف، فيما كان قد انسحب 44 منهم رفضاً للمشاركة.

وكانت الاتصالات والاجتماعات الدولية تواصلت على أعلى المستويات خلال الأسبوعين الماضيين، هادفة إلى عقد الجلسة الافتتاحية لمؤتمر جنيف 2 في مدينة مونترو السويسرية في 22 كانون الثاني (مع صدور هذا العدد)، بعد أن جرى تأجيله مراراً، بسبب من عدم جهوزية الأطراف الأخرى (المعارضة) أو عدم قدرتها على اتخاذ قرار بالمشاركة في أعماله من جهة، وممانعة الأدوات الإقليمية وبعض المستعربين عقده من جهة أخرى، وذلك رغم الإصرار الروسي وما يمثله دولياً، و(الجهود) الأمريكية الهادفة إلى عقده، باستثناء بعض المواقف النشاز التي مثلتها حتى تاريخه فرنسا لحسابات تخص الإقرار بفشل مشروعها أولاً، وشبكة علاقاتها الجديدة في المنطقة، وبخاصة بعيد تدخلها الرئيسي في ليبيا ثانياً، والمصالح المتنامية، وتقوية علاقاتها مع السعودية ومشيخات الخليج (المعترضة) على المؤتمر، المستند إلى تفاهم) موسكو الروسي – الأمريكي (27 أيار الماضي)، بناء على وثيقة جنيف 1 الناتجة عن اجتماع لجنة العمل الدولي (30 حزيران 2012).

كما أكد لقاء وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأمريكي جون كيري في 13 كانون الثاني الجاري في باريس، ضرورة عقده في موعده، الذي حددته الأمم المتحدة على لسان أمينها العام بان كي مون، كذلك المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي أيضاً.. فقد تزامن لقاء باريس الروسي – الأمريكي مع اجتماع ما يسمى (أصدقاء سورية) الذين وضعوا شروطاً مخففة للمشاركة في المؤتمر، مقارنة بمواقفهم المتشددة السابقة (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، الولايات المتحدة، تركيا، قطر، الأردن، الإمارات العربية، مصر، السعودية).

وإذ تقر هذه الدول بالحل السياسي للأزمة السورية (إقراراً أو اضطراراً)، وبعضها (نظرياً)، إلا أنها بانت تقر عملياً وتدريجياً بفشل الخيار الإرادوي، أو التدخل العسكري، ولهذا أسبابه السورية الداخلية الإيجابية (دولة، كياناً، جيشاً)، كذلك سلباً على صعيد العصابات الإرهابية التكفيرية وانقساماتها، وصولاً إلى الاقتتال الدامي بين أطرافها.

هذا في الوقت الذي تخشى فيه واشنطن، كذلك موسكو، ولكل منهما أسبابه، من ضعف ما يسمى ب(المعارضات) السورية السياسية الخارجية والداخلية أيضاً، لصالح هذه القوى التكفيرية، وتالياً محاولة أفغنة أو عرقنة سورية وتبعاتها.

وفي هذا السياق ينظر باهتمام إلى اللقاء الثلاثي الأخير في موسكو، الذي جمع وزراء خارجية روسيا سيرغي لافروف، وسورية وليد المعلم، وإيران محمد جواد ظريف.. وتأكيد هذا اللقاء والوزراء الثلاثة في مؤتمراتهم الصحفية الثناية الروسي- السوري، والروسي- الإيراني على الحل السياسي للأزمة السورية وإشكاليات المنطقة.

إذ أشار ظريف إلى أهمية مشاركة بلاده في مؤتمر جنيف 2 دون شروط مسبقة، على قدم المساواة مع الوفود الأخرى (لمّح كيري إلى مشاركة إيرانية ما)، نظراً لدور إيران الإقليمي في حل العديد من إشكاليات المنطقة، والاتفاق الإيراني مع السداسية (5+1) حول البرنامج النووي السلمي الإيراني، الذي يفترض أن يلحظ أيضاً دوراً إقليمياً إيرانياً (حل الأزمة السورية مثلاً، الذي طالبت إيران منذ بداية الأزمة السورية بحلها عبر الحوار والحل السياسي). أما لافروف فقد أعاد تأكيد أهمية عقد المؤتمر من جهة، وتحميل (المعارضات) بعلاقاتها وتبايناتها مسؤولية تأخير عقده، أو محاولة تعطيله من جهة أخرى، محذراً في الوقت نفسه من تنامي دور المجموعات الأصولية المتطرفة وخطرها على المنطقة ككل، داعياً سورية و(المعارضات) إلى العمل المشترك لتحجيم دورها.

والجديد هنا تمثل في إعادة تأكيد المعلم حضور سورية المؤتمر دون شروط مسبقة، وقدم مبادرة سياسية (هجومية) جديدة تضاف إلى مواقف سورية التقليدية من ضرورة الحل السياسي للأزمة، تلخصت في الدعوة إلى إقامة منطقة آمنة في مدينة حلب (المنكوبة)، على أن يتبعها، في حال نجاحها، إقامة مناطق آمنة أخرى، وأنه في حال نجاحها أيضاً، فإنها ستؤدي إلى خطوات سورية إيجابية أخرى، بضمنها تبادل الأسرى والمخطوفين.. هذه المبادرة السياسية الهجومية السورية، على أهميتها، ينظر إليها، كمبادرة قدمها المعلم في مؤتمره الصحفي مع نظيره الروسي، بوصفها استمراراً للسياسة السورية المطالبة، منذ بدء الأزمة، بالحوار والحل السياسي أولاً، وأنها تستبق مؤتمر جنيف 2 ثانياً، وأنها تلقى دعماً دولياً من تلك الدول التي اتخذت موقفاً إيجابياً من الأزمة السورية والآخذة في الاتساع عدداً وتأثيراً، ثالثاً.. كما من شأنها أن (تحرج) المعارضات على اختلافها وتبايناتها، وتضعها أمام (مأزق) جديد عنوانه طبيعة الرد على هذه المبادرة، بعد مآزقها حول الموقف من مؤتمر جنيف ،2 ومشاركتها فيه من عدمه.

كما تزداد أهمية هذا اللقاء السياسي الثلاثي، وهذه المبادرة السورية، مع إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال تسلمه أوراق اعتماد عدد من سفراء الدول الأجنبية، أن (روسيا مصممة على إيقاف سفك الدم السوري، وحل الأزمة السورية.. تماماً كما نجحنا في التوصل إلى اتفاق تاريخي إيراني مع اللجنة السداسية (الدولية) حول برنامجها النووي السلمي، وتالياً البدء بتخفيف تدريجي للعقوبات المفروضة عليها، وصولاً إلى تطبيع دولي- إيراني لاحق، يأخذ بالحسبان دور إيران الإقليمي المتنامي). ومشدداً في الوقت نفسه على ضرورة مشاركة جميع الأطراف القادرة على المساهمة مساهمة إيجابية في حل الأزمة السورية.

ويأتي هذا التأكيد الروسي- كما أوضحته وزارة الخارجية الروسية- بأن المؤتمر مدعو لإطلاق الحوار السوري الشامل بمشاركة ممثلي وفد الحكومة السورية و(المعارضة)، على أساس بيان جنيف 1 الصادر في 30 حزيران عام ،2012 من دون شروط مسبقة، وبالتالي التأكيد أن الحلول التي سيتم التوصل إليها في إطار عملية جنيف هذه، يجب أن تكون ثمرة لاتفاق الأطراف السورية، ولا يمكن أن تكون مفروضة من أحد على أي طرف من الأطراف المشاركة في المفاوضات- المباحثات.

هذه التطورات الإيجابية المتسارعة، التي يفترض أن يكون 22 كانون الثاني مدخلاً لها، تؤكد وجود اتجاه سوري مبدئي وقوي يستند إلى إنجازاته وإلى دقة تحالفاته وطبيعة علاقاته، وكيفية تعاطيه مع جميع المبادرات المتوازنة التي قُدمت حتى تاريخه، وبضمنها القرار الدولي رقم 2118 (حول السلاح الكيميائي السوري)، الذي تضمن أيضاً بنوداً واضحة حول سيادة سورية ووحدة وسلامة أراضيها.. كذلك موقفها المبكر من وثيقة جنيف 2 إلى (تفاهم) موسكو، وتالياً مؤتمر جنيف 2 دون شروط مسبقة.

يقابله مواقف متباينة ومتناقضة ل(المعارضات) من جهة، وازدياد تأثير ودور العصابات الإرهابية على حساب ما كان لهذه المعارضات من تأثير سابق في الشارع السوري خلال أسابيع الاحتجاج السلمية الأولى.

إذاً.. اتجاهان واضحان، منذ بداية الأزمة السورية، أحدهما يدعو إلى حل الأزمة السورية عبر الحوار والحل السياسي ورفض التدخل الخارجي، والثاني يعمل بقرار منه أو استجابة لضغوط عليه على إطالة عمر الأزمة أو إدامتها، والثمن الواضح والجلي: سورية وبناها التحتية ومؤسساتها الوطنية والفردية، وأبعد من ذلك دورها الوطني والإقليمي، وفي حدود ليست قليلة الدولي أيضاً، وإشغالها بصعوباتها الداخلية.. وهذا ما أثبتت سنوات الأزمة الثلاث على مرارتها وكارثيتها ما سعت وتحاول أن تسعى إليه دول (مستعربة) وإقليمية ومن سائر أنحاء العالم أيضاً.

العدد 1105 - 01/5/2024