جنيف 2… الجلسات مستمرة ولا تقدّم في الأمور الجوهرية

الأمريكيون يصعّدون ويناورون.. والسوريون بين الإرهاب والهيئة الانتقالية

توجهت آمال السوريين وأبصارهم إلى مدينة مونترو السويسرية، فما واجهوه من ويلات ومآس ونكبات في السنوات الثلاث التي مرت على أزمتهم العاصفة، جعلتهم يتعلقون بأي (قشة) قد تنقذهم من الغرق في المستنقع الأسود الذي أراده أعداء سورية في الخارج والداخل، نهاية لإشعاعات عاصمة الأمويين التنويرية والنهضوية والتعددية المعادية لكل أشكال الهيمنة والإملاء.

وكما توقعنا وحذرنا على صفحات (النور)، جاء الموقف الأمريكي التصعيدي على لسان وزير الخارجية كيري في افتتاح جنيف ،2 ليقدم إلى (الائتلافيين) القادمين بعد انقسامهم، دعماً معنوياً للاستمرار في طرح الشروط التي يعرفون ويعرف داعميهم أنها تخالف مبادئ عقد المؤتمر من جهة، ولا تتناسب مع حجم (الائتلافيين) الذين لا يمثلون إلا أنفسهم رغم النفخ الإعلامي والسياسي الذي مارسه أصدقاؤهم، في محاولة لإظهارهم كطرف يمثل جميع قوى المعارضة السورية في الخارج والداخل.

أراد كيري تسليف الائتلافيين دفعة تطمينية، بعد الضغوط التي مارسها عليهم للموافقة على حضور جنيف ،2 ولو ك(شخصيات) وليس كائتلاف لقوى سياسية متعددة، بعد انقسامهم، وفي الوقت ذاته فإن حديثه عن المرحلة الانتقالية وتغييب الرئيس الأسد، رغم عدم وجود ما يشير إلى هذه المسألة في بنود جنيف ،1 يعني ببساطة شديدة أن الولايات المتحدة، على عكس ما أعلنته خلال الأشهر الماضية، ليست جدية في تغليب الحل السياسي للأزمة السورية، خاصة بعد أخبار تناقلتها وكالات الأنباء عن دعم أمريكي قادم للجيش (الحر) وبعض الألوية التابعة للجبهة الإسلامية.

لم نفاجأ بالسلوك الأمريكي في مونترو، كذلك لم نفاجأ بالرصانة السياسية التي اتسمت بها كلمة لافروف، التي أكد فيها موقف موسكو الداعم للحلول السياسية، ولخيارات الشعب السوري في تحديد مستقبله السياسي وقادته.

الأمير السعودي كرر، ربما للمرة الأخيرة قبل تقاعده المتوقع، معزوفة تنحي الرئيس الأسد، وطالب بدعم مباشر للمسلحين بمختلف انتماءاتهم، ملمحاً إلى ضرورة استخدام القوة لتحقيق هذا الهدف الذي سعى إليه طويلاً مع بقية الجوقة الخليجية.

هذا التناغم في خطاب الأمريكيين والسعوديين يبدد ما قيل عن خلاف في الأهداف الاستراتيجية بين الطرفين، ويدعم ما أكدناه مراراً أن الشعارات البراقة التي يتلطى خلفها الأمريكيون لا تعني في الواقع إلا السعي لإقامة أنظمة على مقاس (الديمقراطية) السعودية – الخليجية التي يرعاها المطوّعون، بقضبانهم وقبضاتهم!

الوفد السوري برئاسة وزير الخارجية وليد المعلم، عرض الجرائم الإرهابية التي قام بها الإرهابيون الإقصائيون في عديد المناطق السورية، واستغرب تغييب المعارضة الوطنية في الداخل، وتساءل عن ضمانات تنفيذ أي اتفاق، في ظل غياب نفوذ (الائتلاف) وسيطرته على المجموعات المسلحة، ورفض هذه المجموعات أساساً للحل السياسي للأزمة السورية، وإصرارها على إقامة الدولة الإسلامية بحد السيف. الأولوية حسب كلمة المعلم كانت لوقف الإرهاب في سورية، وتجفيف منابع دعمه وتشجيعه.. وأشار إلى تلك المنابع المتوزعة بين السعودية وقطر والولايات المتحدة وتركيا.

تأكيد الوفد السوري ضرورة إشراك المعارضة الوطنية في الداخل، الذي ورد لا في كلمة المعلم فحسب، بل في المؤتمرات الصحفية التي عقدت بعد الافتتاح على لسان أعضائه، يؤكد ما كنا طالبنا به على صفحات (النور)، إذ يثير غياب هذه المعارضة الوطنية الشكوك حول جدوى الاتفاق النهائي إن حصل فعلاً.

وفد (الائتلاف)، كما توقع الكثيرون، ركز على أولية المرحلة الانتقالية دون الرئيس الأسد، وحمّل النظام السوري مسؤولية تصاعد الإرهاب، وادعى تمثيله لإرادة المعارضة، بل الشعب السوري بأسره، في محاولة لإخفاء محدودية تمثيله للمعارضة، وغياب التفويض الشعبي.

الجلسات التي عقدت بين الطرفين بعد ذلك بواسطة الإبراهيمي، لم تشهد تقدماً ما في حل القضايا الرئيسية، بل ظهر في وسائل الإعلام التباين في دوافع كل منهما للقدوم إلى جنيف 2.

السوريون كانوا ومازالوا ينتظرون، بلهفة، بارقة أمل، ربما تأتي من المصالحات التي تجري في بعض المدن والمناطق السورية، كالمصالحة في برزة، والمعضمية، والقابون، وحرستا (ستجري بعد أيام)، واللاذقية وبعض مناطق حمص، قبل أن تأتي من جنيف2.

المعارك تحتدم في شمال البلاد وشرقها بين المجموعات الإرهابية الإقصائية، لبسط نفوذها واكتساب الحظوة لدى السعوديين، والجيش السوري يبسط سيطرته، يوماً بعد يوم، على مناطق جديدة.

أما جماهير الشعب السوري فلن تتخلى عن خياراتها الديمقراطية.. العلمانية، المعادية لكل أشكال الهيمنة والرجعية السوداء.

العدد 1105 - 01/5/2024