وحدة سورية أولاً

تواترت الأنباء حول تشكيل ما يسمى حكومة (محلية) تدير الأمور الإدارية والخدمية في بعض المناطق في محافظة الحسكة السورية وأماكن أخرى تعيش حالة فراغ إداري وحكومي. ومن الطبيعي أن تنشأ حالات من هذا النوع، بعد أن تعرض الوطن السوري لأعتى وأشرس حملة استعمارية ورجعية دموية لم يشهدها بلد في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، تعرضت فيها البنى التحتية والمنشآت الاقتصادية والخدمية إلى الاعتداء والتدمير، وتقطعت الطرق الواصلة بين المحافظات، وكذلك خطوط الاتصال السلكية واللاسلكية.

والذي ساعد على بروز هذه الحالة، هو طول خط الحدود الفاصلة بين سورية وتركيا (900 كم)، والتداخلات في هذه المنطقة أو تلك، الأمر الذي يساعد المتدخلين الأتراك على زج أنوفهم في الحياة الاقتصادية والسياسية والإدارية للجزيرة السورية، وجعلها معبراً لدخول المتسللين الذين تقدر أعدادهم بالألوف، ويقومون بحملة التدمير المنهجية ضد البنية السورية بكاملها. وقد ازدادت محاولاتهم في الآونة الأخيرة لضرب النسيج الوطني السوري وتمزيقه، الذي حافظ عليه سكان الجزيرة طوال تاريخهم، والذي كان مثالاً في التعايش والإخوة، ولم تستطع المحاولات الاستعمارية والتركية أن تفك من تلاحم المكونات الاجتماعية ووحدتها طوال التاريخ الطويل.

ولا يعني ذلك أن الأمور كانت تسير على ما يرام من جميع الزوايا، فقد حصلت أخطاء عديدة في التعاطي مع مطالب كردية عدة تتصل بحقوقهم المشروعة في مجالات عدة، وجرى تجاهل وتقصير في تلبية بعض المطالب التي كان يمكن حلها منذ زمن بعيد، ومثال ذلك الواضح هو موضوع إعطاء الجنسية السورية لآلاف العائلات الكردية، الذي حُلّ مؤخراً بروح من التعاون والإيجابية.

ومنذ عام 2011 تعرض المواطنون السوريون بكل مكوناتهم، فضلاً عن المنشآت التي تهم حياتهم لاعتداءات منظمة من قبل الإرهابيين والمرتزقة المتسللين من تركيا، ولم يفرّق هؤلاء المتسللون في اعتداءاتهم بين عرب وأكراد أو غيرهم، دفعوا معاً ضريبة الدم وضريبة الدفاع عن الوطن الواحد.

وقد برز في هذه الفترة مشروع إقامة (الإدارة الذاتية المحلية) في ثلاث مناطق سورية تقطنها أغلبية كردية، وذلك في القامشلي، وعين العرب، وعفرين، على أساس إملاء الفراغ الإداري الحاصل.

لكنه يتبين من الواقع أن إقامة هذه الإدارات بشكل مستقل عن الإدارة السورية الحالية، يخلق نوعاً من ازدواجية السلطة، وفي حال أن الإدارات القائمة حالياً لم تعد بمستوى التحدي المطلوب، فيمكن للقوى والأحزاب الوطنية السورية وهيئات المجتمع المدني حلها، وإقامة هيئات جديدة فعالة وفق الأنظمة والقوانين المعمول بها.. تتمتع بصلاحيات واسعة، وتخصيصها بالأموال اللازمة من الموازنة العامة للدولة. أما في حال الانقطاع عن العلاقة مع المركز ومحاولة إيجاد تمويل مالي بديل، فسوف يعني ذلك التأسيس لنوع من الانفصال، الذي لا نعتقد أنه مطروح للبحث لدى أي فئة كردية أو عربية مخلصة للوطن.

إن شعبنا السوري، بعربه وأكراده، وسائر القوميات والأديان، الذين يعانون حالياً اضطهاداً واحداً، هو اضطهاد الإرهابيين والتكفيريين، لن يفسحوا في المجال للاستغلال السياسي لهذه المسألة، التي يمكن حلها بكل بساطة عن طريق تغيير الإدارات المحلية العاجزة واستبدال إدارات جديدة بها، يتم الاتفاق عليها بين مختلف المكونات، بشكل ديمقراطي، والحفاظ على رموز الدولة السورية وعلمها الوطني ومرجعيتها القانونية التي دونها ستنشأ حالة فراغ وفوضى أسوأ من الحالة السائدة حالياً. وكلنا ثقة بأن الجماهير العربية والكردية في الجزيرة وغيرها، تعنيها مسألة وحدة البلاد بمقدار ما تعنيها مسألة الحفاظ على استقلالها، التي هي جوهر النضال الذي يخوضه الشعب السوري ضد الإرهابيين التكفيريين ومَنْ وراهم من الاستعماريين.

العدد 1105 - 01/5/2024