المهر… ما بين الماضي والحاضر

 المهر كما هو متعارف عليه لدى كثير من الثقافات والأديان على أنه مبلغ من المال تستحقه الزوجة من زوجها بالعقد عليها، فهو إذاً واجب على الرجل.

ويدّعون أن الحكمة من وجوبه أنه إعزاز للمرأة وإكرام لها، وهذا برأيهم دليل على أن للمرأة مكانة عالية عند الرجل تستحق أن يضحي من أجلها بالمال الذي كدّ واجتهد في جمعه وتحصيله.

فرغم اختلاف الآراء حول ما إن كان المهر هو وسيلة لشراء المرأة وكأنها جارية، أو حول ما إن كان في تقديمه تكريم للمرأة وتقدير لها، فإن كثيراً من الأهل يقعون في حيرة من أمرهم في موضوع المهر عندما يتقدم أحد لطلب الزواج من ابنتهم، فمنهم من يكتفي بتحديد مبلغ من المال مهراً لابنته، ومنهم من يفضل الموافقة على الزوج دون طلب مهر، وبذلك تكون ردة فعل الزوج وتصرفاته مع زوجته هي التي تحكم أخلاقه وتربيته، وليس المهر من يحدد سلوكياته وأخلاقياته في تعامله مع زوجته.

وهناك أيضاً الكثيرون ممن يرفضون المهر، ويرونه على أنه وسيلة لإذلال المرأة، وذلك استناداً  لكثير من الفتاوى التي تعاكس حقيقة المهر من وجهة نظرهم، فمن تلك الفتاوى: (أنه لا إثم على الزوج إذا رفض طلب زوجته الاقتراب منها طالما أنه أعطاها كفايتها من المال) وبهذه الفتاوى  وغيرها تتأكد حقيقة هذه النظرة التي لا ترى في المرأة سوى سلعة تُباع وتُشرى بما يُسمى المهر.

 إن الفترة التي فرض فيها المهر تختلف تماماً عمّا نحن عليه في وقتنا الحاضر وخصوصاً في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد، فقد ارتفعت نسبة النساء العاملات، وبالتالي باتت المرأة تعيش الاستقلال الذاتي والمادي دون اعتمادها على الرجل. وبات المهر بنظرها هو ذلك المبلغ من المال الذي ستحصل عليه بعد عملها لمدة عام أو عامين، فلم يعد له تلك الأهمية التي  كانت.

كما أن ما خلفته وتخلفه الأزمة التي تمر فيها البلاد، وانخفاض المستوى المادي لكثير من الأسر أدى بغالبيتهم لأن يزوجوا بناتهم بمهر فيه مغالاة فقط من أجل تأمين لقمة عيشهم، فالظروف التي يمرون فيها أصعب من حبهم لابنتهم ومن تشبثهم بمعتقداتهم التي لربما خالفوها.

فالمهر بنظر المرأة المثقفة إن وجد أم لم يوجد، الأمر سيان، لأنه بنظرها ليس ضماناً لمستقبلها، فمستقبلها هو عملها وعلمها، كما لا يمكن للمهر أن يُعلي من قيمتها الاجتماعية والإنسانية فهي من تصنع قيمتها ومستواها الاجتماعي بعملها ونجاحها وأخلاقها، والحياة الزوجية بالنسبة لها هي حياة مشتركة مبنية أولاً على التفاهم والمحبة حيث تكمّل زوجها وهو يكمّلها. بالنهاية، إن مسألة (المهر) مسألة تابعة لحرية الفكر والمعتقد عند الناس، وليس دائماً  من يدفع المهر الأغلى يكون صاحب الأخلاق والمعاملة الطيبة والحسنة، بل ربما كان ذا أخلاق سيئة، فيستغل زوجته  بذلك المهر ظناً منه أنه امتلكها بماله. فالأخلاق والمعاملة الحسنة هي أساس أي علاقة اجتماعية سواء كانت علاقة صداقة أو علاقة زواج.

العدد 1105 - 01/5/2024