الحاضنة الشعبية

أنتجتْ الأزمة السورية خلال سنوات ثلاث إفرازات سياسية واجتماعية واقتصادية وديموغرافية، تحتاج إلى مئات الدفاتر لتدوينها وتحليلها والبحث في نتائجها القريبة والبعيدة.

وتعدُّ الحاضنة الشعبية أحد المواقع الرئيسة في خريطة الأزمة، وما جرى عليها من تطورات في بداية الأزمة ووسطها وبعد مرور ثلاث سنوات عليها.

لقد تأثرت أوساط شعبية من عامة الناس بالدرجة الأولى، بالإعلام المفبرك المؤسس على التحريض الذي يقلب الحقائق، المعتمد على التأثير النفسي للمتلقي الساذج، الذي يصطدم للوهلة الأولى بالصورة المحدثة من نتاج ثورة الاتصالات، وسرد الأخبار ودبلجتها بما يخدم سياسة الرجعية السوداء والرأسمالية المتوحشة، وما يقدمه هؤلاء من إغراءات في (تغيير الحال والادعاء بمستقبل أفضل)، إضافة إلى المؤثرات الدينية المبثوثة والفتاوى من (روَّاد الشعوذة) مثل (القرضاوي والعرعور وأمثالهم من عملاء البترو- دولار)، وفتح أبواب الجنة أمام (المجاهدين) القادمين من القارات الخمس، مقابل تدمير سورية عروس الشرق الأوسط وإسقاط الدولة السورية.

خضعت الحاضنة الشعبية لتغيرات انقلابية عكسية. وقد جرت عملية انتقالية من الحاضنة القسرية للمسلحين (أو الإرادية) إلى الرفض الحازم لوجود هذه الحشرات المؤذية.

ومن العوامل التي أدَّت إلى هذه التغيرات: 

* سرقة المؤسسات العامة والخاصة.. وتخريب المعامل والمصانع وحرقها.

* الهجرة الواسعة (الخارجية والداخلية)..

* فقدان مصادر الرزق، إن كان في الوظيفة أو في العمل الزراعي والتجاري والصناعي.

* الإذلال في معسكرات اللجوء في الأردن وتركيا ولبنان.. وعمليات الاغتصاب والتشرد والانهيارات العصبية.. وحياة البؤس..!

* الحصار والمآسي المدمّرة للجسد والروح.

* القتل وتقطيع الرؤوس وفرض قوانين وتشريعات لم تنجز قبل ألف وأربعمئة عام، ويعملون على تطبيقها اليوم في ظلّ ثورة الاتصالات؟

* الواقع الميداني وما سجله من تراجعات كبيرة للإرهابيين.. وحال الفوضى والاقتتال فيما بين المجموعات المسلحة، وتشرذمها وحصول انشقاقات (شاقولية وأفقية).

* بروز احتجاجات شعبية واسعة في القرى والمدن ضد المسلحين التكفيريين والظلاميين، ومطالبة الحكومة بدخول الجيش العربي السوري لحمايتهم.

* انتصار الجيش العربي السوري في معارك الغوطة والقصير وحمص والقلمون وغيرها.

* التغيرات في الموازين الدولية والإقليمية في السياسات (الداخلية والخارجية) وتفكك التحالفات التركية السعودية القطرية وإعادة ترتيبها في المنطقة من جديد.

* الاعتراف الدولي بمكافحة الإرهاب، خاصة بعد انتقاله إلى لبنان والعراق واليمن ومصر وتونس والبحرين..

* المصالحات التي تجري في الأرياف والمدن رغم المعوقات والعثرات، وعودة نسب مختلفة من المهجرين الى بيوتهم.

* عودة الوعي الوطني الى المغرر بهم، وصحوة الذاكرة الوطنية والأمل المبشر بعودة سورية الجميلة التي يحبونها.

وبعد أيام تدخل الأزمة السورية عتبة السنة الرابعة، ويظل الشعب السوري الصبور رائداً في تحمّل الغلاء والتشرد والبحث عن مأوى آمن، رغم المساعي الحثيثة التي تقوم الحكومة بها لتأمين ألوف المواطنين المهجَّرين أو العائدين من مخيمات التهجير.

لقد أثبت شعبنا المعطاء الغيور على مصلحة الوطن، رفضه التدخل في الشؤون الداخلية، واستعداده لصدّ أي عدوان خارجي، وهو موحّد النسيج الاجتماعي، ويعمل بالوسائل السلمية من أجل تحقيق المواطنة، والحفاظ على السيادة الوطنية والقرار المستقل وضد العنف والطائفية.. ويطمح الشعب السوري، إلى بناء سورية المستقبل.. سورية العلمانية المدنية الديمقراطية الموحدة.

 

العدد 1105 - 01/5/2024