الانغماس في صرعات التميّز والتفرّد

 تتميز مرحلة الشباب بالتمرد والتقلب والبحث عن الجديد..كما تتميز بالتأثّر بالآخرين والاهتمام بالإثارة الانفعالية والفكرية.. وهذا طبيعي ويمكن أن يصل بالشباب إلى مزيد من النضج والنمو والاستقرار والوضوح. ولاشك في أن أنواع الموضة المتعلقة بالشكل والمظهر من ثياب وزينة، وقصّات الشعر المتنوعة، لها جاذبيتها الخاصة لدى الشباب من الجنسين. ويمكن أن نرى صرعات وأشكالاً متطرفة وغريبة في كل ذلك..

ومعروف أن فئة الشباب من أكثر الفئات العمرية تعلقاً بأنواع الموضة، بسبب طبيعة هذه المرحلة العمرية وحيويتها وتطلعاتها. وطبيعي أن يبحث الشّاب أو الفتاة عن القبول الاجتماعي، وأن يكون لافتاً للانتباه، متميزاً، وله وجوده الخاص المستقل، وهذا عادي وصحي في الحدود المقبولة.. وقليل من التمرد في المظهر والشكل لابأس فيه.. مالم يصبح مُغالى فيه، أو شاذاً ومرضياً. وفي الحالات المتطرفة التي يتعلق فيها الشباب بمظهر غريب أو موضة جديدة لابد من البحث في الأسباب التي تدفعه إلى ذلك التعلق.

بعض هذه الحالات قد تكون عابرة أو مؤقتة ومرتبطة بظرف معين أو تقليد لشخصية فنية أو رياضية، أو سياسية، أو لإثارة اهتمام شخص من الجنس الآخر أو ما شابه، إلاَ أنها عند البعض الآخر قد تصبح سمة دائمة غالبة على الشخص إلى حدّ الإدمان، إذ يستهلك هؤلاء الشباب طاقاتهم وتفكيرهم بحثاً عن الغرابة في الموضة وصرعاتها.

بعض هؤلاء مرضى يحتاجون إلى العلاج.. إذ يمكن لبعض الاضطرابات النفسية أن ترتبط بالغرابة في المظهر، وأن تكون تلك الغرابة بداية أو جزءاً من اضطرابات كالفصام مثلاً. كما أن بعضهم الآخر ربما يعاني من صراعات شديدة داخلية مرتبطة بسلطة أبوية، أو تنافسية مع الإخوة، أو صراعات حول هويته الجنسية، كأن نرى الفتاة تتشبه دائماً من حيث المظهر- وحتى في بعض السلوكيات- بالشّاب، ربما لأنها غير راضية عن كونها أنثى، أو رافضة لهذه الأنوثة، والعكس صحيح بالنسبة للشاب. أو أنها أيضاً صراعٌ حول عدم الثقة بالنفس والجسد.

وعندما تصل الأمور إلى هذا الحد، لا بدّ من محاولة التعرّف على تلك الصراعات والمساعدة في حلها بطرق إيجابية معتمدة مبدأ التعزيز وإظهار جوانب إيجابية في الشخصية أكثر رقياً من الشكل الخارجي، أو لجهة الهوية الجنسية، والاهتمام الجدي بتعزيز تقدير أشيائه العميقة من فكر وعقل وثقافة وذوق وفن وعواطف، بدلاً من الاستغراق في الشكل الخارجي وتبديد الوقت والجهد والمال على نحو عبثي. فالفراغ الداخلي، وعدم تقدير الذات وعدم احترامها ينعكس تطرفاً واهتماماً مبالغاً فيه بالمظهر الخارجي..

ويبقى السؤال: كيف نبني أنفسنا بقوة وثبات ونضج؟.. وكيف ننمي قدراتنا ومهاراتنا بشكل إيجابي منتج؟ وكيف نستفيد من طاقاتنا وحيويتنا وإبداعاتنا فيما ينفع، وكيف نتعامل مع صراعاتنا الداخلية بشكل أكثر نجاحاً وقوة؟

أسئلة برسم شبابنا أمل المستقبل، ووقود ارتقاء المجتمع والإنسان.

****

إ . و

* المرجع: حياتنا النفسية، الدكتور حسان المالح، (استشاري الطب النفسي – دمشق).

العدد 1105 - 01/5/2024