تلقين الأبناء.. تدجين للمستقبل

 تُشكّل التربية على مختلف مستوياتها (أسرية، مدرسية، ومجتمعية…) نواة شخصية الفرد، وتحدّد المسار الذي ستنتهجه تلك الشخصية مستقبلاً في مختلف الاتجاهات والسبل التي ستنتهجها. ومعلوم تماماً أن النظام التربوي في مجتمعاتنا عموماً، بكل مستوياته، أبوي- سلطوي بامتياز، ذلك أننا ما زلنا مجتمعات تحكمها القيم القبلية والعشائرية في مختلف مجالات حياتنا أينما اتجهنا من الريف حتى المدينة، سواء في المجال الاجتماعي أو الديني أو التعليمي وحتى السياسي والاقتصادي.

وهذا ما يجعل من الوسائل والأساليب المعتمدة أو المتبعة هنا وهناك أساليب تلقينية قائمة على نقل موروث كامل إلى الأجيال المتلاحقة التي عليها قبوله والمحافظة عليه دون المساس بأيّ منها أو محاولة مناقشتها، ابتداءً من القيم الأسرية، مروراً بالدينية وحتى الاقتصادية أو السياسية. وإذا ما تجرأ الفرد وفكّر بتحليل هذه القيم ودراستها ، اعتُبر خارجاً على قوانين المجتمع وقيمه، وبالتالي متمرداً تجب إعادة تأهيله بما يتناسب والواقع القائم، وإلاّ صار منبوذاً مرفوضاً حتى من أقرب المقربين.

إن هذا النهج المتّبع منذ قرون خلت، كان السبب الكامن وراء تخلّف المجتمع على المستويات كافة ، لأن الأسلوب التلقيني- القسري المفروض هنا لا يمكن أن يسمح بفتح نوافذ العقل باتجاه مناقشة تلك القيم، فما بالك بمحاولة التصدي للسلبي منها والتجرؤ على تعديلها لا تغييرها..؟ مما خلق لنا أجيالاً متلاحقة تعيد إنتاج الموروث ذاته ونمط التفكير والتعامل معه إلى يومنا هذا، حتى صار نهجاً أصيلاً في مسار حياة الفرد والمجتمع، وبضمن ذلك أنظمة الحكم، وبالتالي تُرانا أمام أفراد مدجنين يستسهلون الحياة، بل ويستخفون بها في كثير من الأحيان باعتبارهم مقيدين عن فعل سوى ما يُطلب أو يُراد منهم، حتى في مجالات العلم والتعليم التي يُفترض أن تُشرّع نوافذ العقول على حقول المعرفة ومحاولة التجديد فيها.

من هنا، فإن أية محاولة لخرق تلك القواعد، أو تحريك المياه الراكدة في بحيرات الحياة، كانت تواجه برفض مخيف وقمعي أحياناً، مما خلّف أفراداً مدجّنين مستلبين تجاه كل وافد عليهم لا يمكنهم سوى تلقفه دون أدنى إعمال للعقل، حتى بات مستقبل البلاد والعباد باهتاً خاوياً من أية ملامح للتقدّم والتطور والحضارة، سواء على المستوى الشخصي أو العام.

العدد 1105 - 01/5/2024