الاقتصاد عصب الحياة وتطـور المجتمعات

 لعبت مصطلحات الاقتصاد الادخاري والاقتصاد الاستهلاكي وغيرها دوراً في تطور الاقتصاد العالمي، ونقف اليوم عند الاقتصاد الاستهلاكي، الذي يرى أن صرف الفرد للمال، بالاستهلاك الزائد، هو عجلة الاقتصاد ويشجع على الاقتراض من أجل مصاريف استهلاكية ترفية في معظم الأحيان.

يمتاز الاقتصاد الاستهلاكي بمجموعة من السمات، منها كثرة بناء مراكز التسوق والترفيه بدل المصانع، وإنتاج سلع رفاهية تزول مع الزمن بدلاً من العمل على إنتاج سلع معقدة تنافسية.

وللوصول إلى التطور الاقتصادي لا بدّ من التكامل ما بين الصناعة المتطورة وإنتاج السلع الرفاهية، ويمكن تحليل تطبيق الاقتصاد الاستهلاكي بناءً على ثلاث مستويات:

المستوى الأول- لا بد من وجود خطط وبرامج اقتصادية لدى الدولة لاستيعاب هذا النمط الاقتصادي، من خلال القيام بتوزيع عادل للدخل، بما يتيح للأفراد إمكانية الادخار، فاتجاه المجتمع نحو الادخار سيؤدي ولا شكّ إلى التفكير بفتح مجالات للأنشطة الاقتصادية التي تعود بالفائدة على الفرد والمجتمع والدولة ذاتها، ولتطبيق هذا النمط الاقتصادي لا بد من إبراز تأثيراته الإيجابية على المجتمع.

المستوى الثاني- تتجه معظم الأسر في العالم الثالث نحو الادخار، مما يشكل فائضاً في السيولة النقدية، وهذا الفائض فيما لو وجه للاستهلاك سيؤدي لحدوث تطور اقتصادي ناتج عن مقولة أن الاستهلاك محرك الاقتصاد.

المستوى الثالث- الطبيعة النمطية التي يعيشها الفرد تدفع به للادخار وعدم الصرف واقتصار استهلاكه على السلع الضرورية، هذه المدخرات يمكن توظيفها في مشاريع استثمارية حقيقية دافعة لعجلة الاقتصاد، ولا يتم ذلك إلا باتباع سياسة هدفها توعية الأفراد بأهمية الاستثمار في الاقتصاد الاستهلاكي.

يلاحظ على المستوى الدولي تضاؤل إيجابيات الاقتصاد الاستهلاكي، فالولايات المتحدة الأمريكية التي تأخذ بهذا النظام الاقتصادي ليس لديها من المدخرات ما يكفي لإدارة عجلة الاقتصاد، فتلجأ إلى الاستدانة من الخارج مقابل سندات خزينة مما يثقل كاهل الدولة، فالتعامل الناجح بمفهوم الاقتصاد الاستهلاكي يحتاج إلى تغيير جدي وإيجابي في المجتمع، ووضع تصور لدمج فئات المجتمع وتكاملها في التطور الاقتصادي، فكل خطأ يرتكب سيؤدي إلى تراكم الديون على الجميع (يمكن ملاحظة ذلك من فوائد الديون في لبنان وارتفاع حجم الدين العام).

إن التطبيق القريب من النجاح لنمط الاقتصاد المتطور والفعّال يحتاج إلى تطوير التعليم والتربية، فالنظام التعليمي القائم على التعلّم بغرض الوصول إلى هدف الحصول على شهادة لن يؤدي إلى فهم اقتصادي مثالي، بل سيؤدي إلى ترويض الطلاب وقتل الروح الإبداعية وتغييب العقل الفعال وإحلال العقل الموجه والقاصر مكانه، فالتطور الإيجابي في مجتمع من المجتمعات هو نتاج المجتمع وتطور طبيعي لتكامل مكوناته، فالتغيير المفروض من الخارج والذي لا يراعي ظروفه سيدمره ويحيله إلى فوضى تزعزع استقرار الفرد والمجتمع وحتى الدولة ذاتها، فعوامل نجاح التطور تختلف من مكان إلى آخر في العالم مع اختلاف طبيعة الشعوب ومكوناتها، فلا بد من دراسة خصائص المجتمع قبل الولوج في التطور لمعرفة الايجابيات وتعزيزها، وحصر السلبيات ومحاولة تنحيتها والتخفيف منها.

العدد 1105 - 01/5/2024