الأزمة السورية… ماذا تريد واشنطن وماذا يريد الشعب السوري؟

تتواصل التطورات في عالمنا، وتشمل أحداثاً جديدة تؤثر في الإشكاليات (السابقة) أو (تشوّش) عليها، أو تعيد ترتيب الأوّليات في كيفية معالجتها، وإن كان الحدثان الأبرزان خلال الأسابيع القليلة الماضية، هما ما آلت إليه الأوضاع حتى تاريخه في جمهورية أوكرانيا، والتصعيد(المشاغب) المدعوم خارجياً، كما سابقاته في فنزيلا، وانعكاساتهما تالياً على منطقة الشرق الأوسط، وفي الصدارة منها الأزمة السورية وتبعاتها.

فالمكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، لامست بالتأكيد القضايا الساخنة، ومواقف الدولتين تجاهها، وما تشكلانه من دور دولي في كيفية التعاطي مع هذه الإشكاليات. فإن مدة المكالمة- القمة التليفونية- كما وصفها المراقبون، عكست بصيغة أخرى، حجم التباين الروسي- الأمريكي، وما يمثلانه دولياً في التعامل مع هذه الأحداث على أهميتها.

إذ بدا واضحاً حجم التباين حول أوكرانيا، كذلك مدى التدخل الأمريكي و(الغربي) في حدود ما، وإن بتباين أظهرته مواقف الدول الغربية نفسها، وبخاصة ألمانيا والدول الإسكندنافية، والمبادرات التي أطلقتها، بعد وقوع هذه الأحداث، التي يصر الروس ومعهم القسم الأكبر من السكان الأوكرانيين على أنه انقلاب.. كذلك ظهر جلياً حجم التصعيد الأمريكي مستغلاً أدواته اليمينية- الرأسمالية في فنزيلا مجدداً، بعد مضي أقل من عام على انتخاب نائب الرئيس الفنزيلي مادورو (العامل وسائق الباص سابقاً) رئيساً للبلاد، وسقوط مرشح المعارضة اليمينية أنريكي كابريليس وما يمثله، وقد أعقب مادورو نجاحه الانتخابي الرئاسي بإجراء انتخابات بلدية، أكدت إصرار غالبية الشعب الفنزويلي على مواصلة النهج التشافيزي الاستقلالي، الاقتصادي والسياسي، وعلى دور كاراكاس الإقليمي والدولي المناوئ لسياسة واشنطن وكيفية تعاطيها مع الإشكاليات المناطقية والقارية والدولية على كثرتها.

لم يغب الملف السوري بالتأكيد عن القمة الهاتفية الأمريكية – الروسية، وتهرب واشنطن بأشكال وصيغ مختلفة عن مجرد تحديد موعد أولي لعقد الجولة الثالثة لمؤتمر جنيف، الذي ينتظر (بروتوكولياً) تقرير المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي إلى مجلس الأمن الدولي من جهة، واللقاء الثنائي بين وزيري الخارجية الروسي والأمريكي من جهة ثانية.

في الوقت الذي أعلنت فيه سورية رسمياً  حرصها على حضور الجولة الثالثة، ومواصلة الحوار والحل السياسي للأزمة السورية، ولهذا مدلولاته ومغزاه أيضاً. هذا في الوقت الذي تشهد فيه أطراف مايسمى ب(المعارضات) السياسية المرتبطة خارجياً، على كثرتها وتنوعها واختلافها، خلافات حادة حول إعادة هيكلية أوضاعها أولاً، وقدرتها على ضبط وإلزام المجموعات والعصابات الإرهابية (المسماة غربياً وأمريكياً، بأنها من إفرازات القاعدة) وتصنفها ولو (نظرياً) في قائمة المنظمات الإرهابية الدولية.

الجديد في المكالمة- القمة، يتلخص فيما تريده واشنطن من سورية، وما تطرحه موسكو وتمثله دولياً أيضاً.. وجديدها الطازج يتلخص في التأجيل (المصطنع) للحوار، وتالياً الحل السياسي المترافق مع استمرار نزيف الدم السوري، وتدمير البنى التحتية الوطنية والخاصة وتخريبها، وآثارها السلبية الكارثية على سورية (دولة وكياناً).. كذلك في اتساع دائرة القوى الفاعلة والمؤثرة في هذه الأزمة، والدول والروابط والتكتلات التي اتضحت لها، وخلال سنوات الأزمة الثلاث، حقيقة شعارات الديمقراطية والإصلاح ولافتات التغيير وحرية الرأي.. إلخ من هذه الشعارات (المشروخة).

وليس آخرها الخلافات الأمريكية – الأوربية حول هذه الأزمة من جهة، والخلافات الخليجية تجاهها أيضاً من جهة أخرى.. والتي تمثلت أخيراً بقرار (البحرين والسعودية والإمارات) سحب سفرائها من قطر، وقرار المملكة السعودية حظر (داعش) و(النصرة) و(الإخوان المسلمين) و(وحزب الله السعودي) بوصفهم قوى إرهابية!

وفي ظل هذه التطورات الإقليمية – الخليجية خاصة، على أهميتها، والمرتبطة إلى حد كبير بالمتغيرات الدولية الجارية، تبرز الأزمة السورية مجدداً بعناصرها وتداعياتها أيضاً.

فالسوريون يطالبون، منذ التوصل إلى وثيقة جنيف الأولى الموقعة من قبل لجنة العمل الدولية في حزيران عام ،2012 ثم التفاهم الروسي- الأمريكي في حزيران عام ،2013 بضرورة تنفيذ ما اتفق عليه (دولياً)، وخاصة من قبل راعيي العملية السياسية، في الوقت الذي ماطلت وأجّلت وحاولت تعطيل الحوار، ما يسمى بقوى (المعارضات) المرتبطة على اختلافها وتنوعها.. وحاولت واشنطن الحفاظ على ماء الوجه في التعاطي معها، ومع وكلائها وأدواتها في ظل المتغيرات الجارية ميدانياً لصالح سورية الوطنية وقارياً ودولياً أيضاً.

السوريون الوطنيون يطالبون، مرة أخرى، بالحوار السياسي والحل للأزمة، بعد أن فشلت تماماً مواقيت إسقاط دمشق، وما تمثله، بل على العكس تماماً تشير التطورات اليومية إلى نجاحات هامة ميدانية للجيش العربي السوري، وتزامنها مع المصالحات الجارية (على علاتها ونواقصها ومخاطرها راهناً) والتي تؤكد أيضاً بمجموعها حرص سورية (دولة وكياناً) على إغلاق ملف الأزمة، وحظر التدخل الأجنبي، وليس آخره الإسرائيلي المعلن المباشر. وتتواصل المعارضات، وخاصة المرتبطة في تخبطاتها وأزماتها، وليس آخرها التعديلات في إعادة بناء هيكليتها (المشروخة) أصلاً، والتي تؤكد عملياً الفارق الجوهري بين الطرف الساعي إلى حل الأزمة عبر الحوار والحل السياسي، وذلك الساعي إلى إطالة الأزمة وتعقيدها وإطالة أمدها أو تأجيلها، خدمة لأهداف غير سورية. وبات يواجه (عروبياً) و(إقليمياً) و(دولياً)، تصاعد حدة أزماته، وفي المقدمة من يمثل وعلى من (يمون)، فضلاً عن تأثيره المتراجع بحدّة في الشارع السوري، وقواه ورموزه العديدة التي انفضّت عنه، أو هي في طريقها الفعلي لهذا الانفضاض.

في الوقت الذي تصرّ فيه واشنطن وإدارتها وأدواتها المأزومة أصلاً، والعديد من حلفائها، على مواصلة طريق مسدود أمامها، وأصبح أكثر انسداداً في ظل التطورات الجارية محلياً وإقليمياً ودولياً.. وبات عليها مراجعة تعاطيها مع سورية الوطنية وتقييمه، هذه المراجعة لا تتلخص فقط بإقالة المندوب السامي الأمريكي- السفير روبرت فورد، بل ما هو أبعد وأعمق من ذلك أيضاً.

العدد 1107 - 22/5/2024