في تداعيات الأحداث الأوكرانية المسألة السورية خارج إطار المساومات

السوريون لا يشككون بأصدقائهم… خيارات الشعب السوري تبقى الأساس

استأثرت أحداث أوكرانيا باهتمام الميديا العالمية، نظراً للشكل الدراماتيكي الذي اتسمت به، لكن المسألة السورية كانت حاضرة حتى في التحليلات والآراء التي تناولت جوهر الحدث الأوكراني، كما كانت حاضرة في تحركات الأطراف الرئيسية في الميدان السوري المتوزع بين الجنوب القريب من بوابة الدعم، والإسناد، والأوسط الذي يقترب من الحسم النهائي، والشمال الذي يتقدم فيه الجيش السوري، والشرق الذي يشهد نزاعات (كسر عظم) بين المجموعات الإرهابية التي تُعد تعبيراً عن تنازع مصالح الداعمين الخليجيين على الانفراد بتمثيل الإرهاب الدموي التكفيري وتحويله إلى فزاعة إقليمية، بل عالمية.

ويجتهد المحللون السياسيون في البرهنة على ارتباط المسألة السورية بأحداث أوكرانيا، استناداً إلى الملف العالق بين القوتين الأعظم روسيا والولايات المتحدة، الذي يضم إضافة إلى الأزمة السورية الملف الخاص بالدرع الصاروخية الأمريكي في أوربا وعلى حدود روسيا، والملف النووي الإيراني والملف الأوكراني، ويخلصون إلى استنتاجات تقترب من نظرية المؤامرة، وإلى الربط الميكانيكي بين المسألتين، وفي النهاية يقررون أن الفوز في إحدى هاتين المسألتين يتطلب بالضرورة الخسارة في المسألة الثانية.

وهذا منطق سياسي ساذج يتناقض مع الظروف والمسببات التي تتعلق بكل مسألة أولاً، ويفترض تحييد خيارات الشعبين السوري والأوكراني وتطلعاتهما ثانياً، ويشكك بمصداقية الحليف الأبرز لسورية ولأكثرية الشعب الأوكراني ثالثاً.

الشعب السوري وقف إلى جانب المساعي الدولية لحل الأزمة السورية سلمياً، لكن هذه المساعي، وبغض النظر عن المشاركين فيها، يجب أن لا تتجاهل خيارات جماهيرنا الطامحة إلى مستقبل سياسي تعددي ديمقراطي.. علماني، وحقها في اختيار شكل نظامها السياسي وقادتها وفق القواعد الدستورية، لذلك لا محل هنا لاستنتاجات بعض المحللين السياسيين الذين يفترضون أن جماهير الشعب السوري هي (نواطير بطيخ) لتسويات دولية على حساب دماء أبنائها، هذا على افتراض أن المسألة السورية ستخضع لتسويات كهذه، وهذا افتراض بعيد الاحتمال حسب اعتقادنا، نظراً للمصداقية التي اتسمت بها السياسة الروسية تجاه دعم جماهير الشعب السوري في مواجهتها لخطط العدوان الأمريكي الخليجي.

ورافق الحدث الأوكراني في الداخل السوري تقدم القوات السورية في عديد من المناطق، ووجهت ضربات مؤلمة للإرهابيين في درعا وغوطة دمشق وحمص وحلب، رغم الحشد الذي تحضر له وتنفذه المجموعات الإرهابية عند بوابة سورية الجنوبية بدعم مباشر من الأمريكيين والسعوديين، كذلك تتابع القوى الاجتماعية الخيّرة ولجان المصالحة الوطنية إجراء المصالحات الوطنية بين أبناء الوطن الواحد، وتحقن الدماء في عديد المناطق، سعياً إلى عودة النسيج الاجتماعي المتشابك بين أبناء سورية على اختلاف انتماءاتهم السياسية والاجتماعية والدينية، هذه المصالحات التي تُعد جهداً أهلياً فائق الأهمية للمساعدة في إنهاء الأزمة السورية، ينبغي على الحكومة- حسب اعتقادنا- ملاقاته بمزيد من أجواء الانفراج الداخلي، وبخاصة الإفراج عن المعتقلين والموقوفين على خلفية الأزمة ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء، والانفتاح على جميع القوى السياسية الوطنية، وبضمنها المعارضة الوطنية في الداخل والخارج، وبذل الجهود لحل أزمات المواطنين المعيشية، والعمل على عقد الحوار السوري – السوري الذي يجمع أطياف الشعب السوري السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية للتوافق على غد سورية الديمقراطي.. العلماني.. المعادي للرجعية السوداء.

العدد 1107 - 22/5/2024