تداعيات عمل المرأة في مجتمعاتنا العربية

على الرغم من وجود القوانين والتشريعات التي أعطت المرأة بعض حقوقها، إلا أن العادات والتقاليد المجتمعية، إضافة إلى بعض التشريعات المجتمعية المستترة وراء أسباب دينية، حالت دون حصول المرأة على كامل حقوقها بالشكل الأمثل. وهذا الموضوع كان محطّ اهتمام الكثير من الباحثين والمعنين بشؤون المرأة الذين عملوا على تسليط الضوء عليه، ودعوا إلى المزيد من التوعية في المجتمع لتطوير دور المرأة وترسيخ.

و تُعزى أحد أهم الأسباب في الحد من دور المرأة وحقها في العمل في المجتمعات العربية إلى بنية المجتمع المتمسكة بالعادات والتقاليد، إضافة إلى بعض (الهفوات) التشريعية التي تتحكم بالعلاقة بين الرجل والمرأة بدءاً من قوانين العمل مروراً بقانون الجنسية وليس انتهاءً بقانون الأحوال الشخصية. هناك عدة أسباب ودوافع لخروج المرأة إلى العمل، إلاّ أن الدافع الاقتصادي كان الدافع الأساسي من أجل تحسين وضع الأسرة المادي والاقتصادي، واعتماد المرأة على نفسها.

وتشير الدراسات إلى أن المرأة في الطبقات الفقيرة تعمل من أجل تحسين وضع الأسرة الاقتصادي، أما في الطبقة الوسطى فغالباً ما تعمل المرأة من أجل الاستمتاع براتبها ووقتها، لذا فإن عمل المرأة مرتبط بالمستوى الطبقي الذي تعيش فيه. وفي بعض الطبقات يكون عمل المرأة من أجل الرقي بمستوى التعليم والوصول إلى مكانة اجتماعية راقية وتحقيق الكماليات المختلفة. غير أن هناك دوافع أخرى لعمل المرأة ألا وهي الوصول إلى تأكيد الذات وتحقيق حياة اجتماعية محترمة.

ومن النساء من تصل إلى مراحل متقدمة جداً في التعليم والعمل، وذلك لتثبت لنفسها وللمجتمع أنها قادرة على الوصول إلى حلمها وطموحها كما الرجل، وأنها قادرة على التقدم والدخول في الكثير من المجالات المختلفة لتكون جنباً إلى جنب معه، كي تشعره أن بإمكانها الوصول إلى مراحل متقدمة علمياً وعملياً، فهي بذلك تزيد خبرتها الحياتية والعلمية والمجتمعية. وتأتي قناعة الرجل بعمل المرأة تبعاً لمصلحته المادية وأفكاره ومعتقداته، وأيضاً للمجتمع الذي لاشك سيكون له تأثير مهم جداً في هذه القناعة.

فهنالك من يقتنع بأهمية عمل المرأة إيماناً منه بأهمية وجودها في المجتمع وما تمثله من دور مكمل لدوره في الأسرة والمجتمع، ولكن هذا الرأي نلحظه فقط عند الرجال الذين عاشوا وترعرعوا ضمن مجتمعات تعطي المرأة حقها وحريتها. ومن الرجال من نراه في الوقت الراهن يرفض رفضاً قاطعاً عمل المرأة وذلك لأسباب دينية يمليها عليه مجتمعه. ولكن في الوقت نفسه نرى أن غالبية الشباب يبحثون عن المرأة المتعلمة والمثقفة والعاملة لتكون عوناً له في تأمين الوضع الاقتصادي وتحسينه، وذلك بسبب غلاء الأسعار وصعوبة الأوضاع الاقتصادية الحالية.

وبالتالي فإن حقوق المرأة مشروعة في القانون والدستور، إلا أن ما يغتال ويقلص هذه الحقوق هو بعض المحاولات الفردية في تحجيم المرأة ودورها، وحصره في إطار المنزل وخدمة الزوج والأولاد. لذلك لا بد من رفع مستوى الوعي في المجتمع على أمل تحررها من قيود وهمية فرضها القدماء علينا تقف حجر عثرة أمام تقدم عجلة التطور والتقدم والتحرر الفكري في مجتمعاتنا العربية.

العدد 1105 - 01/5/2024