عملها.. فرضته الحاجة لا القناعة

 دخلت المرأة عالم العمل منذ بداية تكوّن الجنس البشري، فإضافةً إلى أعمالها التقليدية في البيت، كانت تعمل في الزراعة وتربية الماشية مثلاً لتدعم ما يجنيه الرجل من عمله خارج البيت لتأمين مستلزمات الحياة. ورويداً رويداً بات خروجها للعمل خارج المنزل أمراً ضرورياً فرضته الظروف المعاشية التي لم يعد عمل الرجل وحده كفيلاً بتأمين مستلزماتها، على الرغم من عدم تملّك القناعة الكاملة بذلك عند العديد من أبناء المجتمع رجالاً أم نساءً، فالعامل الاقتصادي من وجهة نظر هؤلاء هو ما فرض عليهم تقبّل الفكرة مرغمين شأن الكثير من الأمور والممارسات التي لا تتقبلها عقولهم ولا تربيتهم أو نمط تفكيرهم التقليدي المحافظ.

ورغم ذلك، كثيراً ما نلتقي برجالٍ يتباهون أمام الآخرين بعمل زوجاتهم أو أخواتهم أو بناتهم، بينما هم في حقيقة الأمر يعيشون تناقضاً في عوالمهم الداخلية حيال هذا الأمر، هذا التناقض الذي لا يدركه إلا المرأة المعنية بالأمر، زوجةً، أختاً، أو بنتاً، فتراه يركض لاهثاً وراء راتبها، وعن الوقت ذاته نجده لا يعير عملها وتعبها أية أهمية، بل يزيد أعباءها بدل أن يدعمها ويساعدها، ويطالبها بأن تكون الآلة التي عليها أن تقوم بكل واجباتها على أفضل صورة، وإن حدث أيّ خلل في توازن هذه الآلة لمرة واحدة، يقيم الدنيا ولا يقعدها، ويبدأ سيل الاتهامات لها بالتقصير وعدم تحمل المسؤوليات المنوطة بها.

ولا يتوقف الأمر هنا، بل إنه يشعرها بأنه تكرَّم عليها بقبوله عملها خارج المنزل، ويتباهى أمامها باعتباره متحضراً بين أقرانه الذين لم يسمحوا لنسائهم بالعمل، وفي هذا دليل أكيد على أنه لا يختلف عنهم سوى بأنهم كانوا صادقين مع ذواتهم أكثر منه. طبعاً لا يمكننا التعميم بأن جميع رجال مجتمعنا يتعاملون الطريقة ذاتها، إلاّ أن قسماً لا بأس به منهم ينطبق عليهم هذا الكلام، وهذا ما يشعر المرأة العاملة بالإحباط الدائم، وبأن ما تفعله لا قيمة له، حتى لو كانت ممن تبوأن مراكز مرموقة في عملها، إضافةً إلى قلقها الدائم من غضب الرجل ومنعه لها من مغادرة البيت أو من محاولة تطوير ذاتها وعملها، وبالتالي فإن هذا القلق ربما يتحول إلى رعب داخلي سيؤدي بشكل أو بآخر إلى إضعاف ثقتها بذاتها، وبالتالي إلى عدم تطورها وتنمية مقدراتها.

العدد 1105 - 01/5/2024