عملها.. حياة

 ها هي كَبُرَت وباتت تملك من العلم والمعرفة ما يؤهلها لخطوتها الثانية في الحياة وهي تكوين الذات، لكنها وُجِدَت في مجتمعٍ ما زال في قرننا هذا يفكّر كثيراً: هل سيسمح لها بالعمل أم لا؟ لأن في العمل احتكاكاً بشخصياتٍ كثيرة، فمنهم من سيراها غير أهلٍ، ومنهم من كوّن عنها صورة ناقصة العقل والدين، وبعضهم سيراها بعين غدرٍ وأكثر.. لذا فما من داعٍ لأن يعرّض ابنته أو زوجته لمثل هذه السلبيات.

ولكنها تريد أن تعيش وتجرب، سائلة نفسها: أين علمي إن كنت فعلاً لا أعي الصواب من الخطأ؟ وإن كنت غير قادرةٍ على خلق شيءٍ جديد..؟ أين تربيتها المنزلية التي ستطبقها في هذا المجتمع ومواجهةً كل تحدٍّ بشريّ؟ أين حريتها في الخيار لتقول ما تريد وما لا تريد. المرأة عصب مهم في الحياة، وهي عنصر فاعل وفعّال، على المجتمع ألا يتجاهله فيسبب له الشلل التام. المرأة دعم للمكان الذي توجد فيه، وهناك كثير من المهارات لا تكون قريبةً إلى القلب إلاّ من امرأة. فالمعلمة مثلاً ستكون كالأم في الصف، وستعطي وكأنّ أبناءها معها، وهم ناظرون لها على أنها أمهم.

كما أن الكثير من المهن كالطب أو تصفيف الشعر لا يريد زبائنهن إلا امرأة لترتحن أكثر في التعامل. وأما في العمل الوظفي فإن المرأة عموماً هي الأكثر صبراً على التفاصيل ومتابعة الأمور. كل هذا يحتاج إلى مرأة غالباً ما يكون قرارها بيد الرجل.

الرجل الذي ينسى أن من ستربي له أولاده هي تلك المرأة، التي إن لم ترَ الحياة بكل تفاصيلها من علمٍ وعمل فلن تكون قادرة على مساعدته في المنزل من جهة، وفي تربية أولادهما من جهة أخرى، فمن أين لها أن تخبرهم عن هموم الحياة التي لم تمرّ بها، وعن حلول المشاكل التي لم تحلها أصلاً، وعن طريقة التعامل مع الناس الذين لم تتعاطَ معهم.

الرجل الذي ينسى أن من رباها ستكون له دعماً وفخراً، ولاسمه حاملةً في كل مكان.. هي التي سيحصد تعب سنيه فيها، مبتسماً لفرحها في الإنجاز والنجاح، منتصراً فيها بقوة شخصيتها واحترامها في مجتمعٍ تسوده حيتان من كل صنف..

المجتمع الذي يقرر دون أن يعلم أن لكل شخص فيه دوراً وموقفاً وخطوة وحجراً لبناء هيكله الكامل، وأن لكل امرأة ورجل في عالم الأعمال لمسته الخاصة التي لا يستطيع الآخر صنعها ولا استكمالها، وأن التكامل موجود في العمل المشترك، كما في الحياة المشتركة. وعلى المجتمع ألا يبني أفكاراً على أن المرأة هي ملكية، بل هي الشريك. هنا فقط تنقلب فكرة الأمر والفرض إلى الرأي والاستشارة، لغة الحوار لا النهي. حين تتحرر المرأة من ظلم مجتمع يحيطها بألف رأي واحتجاجٍ ورفضٍ وعادات وتقاليد، وأحياناً بكلمات ظاهرها معسول وباطنها قيد كأن يقولون لها (نريدك ملكة).

فعندما تتحرر من كل هذا، حيئذ فقط تصبح حقاً ملكة، صاحبة قرار ورأي، صاحبة علم وعمل ومال ونجاحات. المرأة عالم بأكمله، على المجتمع الاعتراف به مكتملاً، ليكتمل الكون بوجودها الحيّ.

العدد 1105 - 01/5/2024