وجع النفس.. وأنين الروح بحاجة إلى من يداويه

 تعترضنا بين الحين والآخر حالات من الحزن المفاجئ أو القلق والضيق الذي تستحيل معه ثواني العمر إلى ساعات مديدة من سواد يلفُّ حياتنا، دون أن نعي في كثير من الأحيان سبباً واضحاً لما نُحس. كما نقوم في أحيان أخرى وبشكل لا شعوري بتصرفات قد نُدرك أنها غير منطقية، لكنها تقع خارج إرادتنا الواعية الرافضة لها.

لقد بحث الفلاسفة القدماء وعلى رأسهم الإغريق في أوجاع النفس، حتى أن أرسطو وضع كتاباً قيّماً سمّاه (في النفس) ترجمه إلى العربية إسحق بن حنين، واشتغل عليه فيلسوف قرطبة ابن رشد. وهكذا وصولاً إلى عصرنا الحديث الذي تتالت فيه الاكتشافات المختلفة، ومنها العديد من الأمراض النفسية التي استدعت وجود اختصاصات متنوعة من أجل تخليص الإنسان المعاصر من مشاكله النفسية وأزماته التي فرضتها الحضارة والحداثة بما حملتاه من تقنيات وصراعات وحروب.

وفي هذا اعتراف جليّ بأن النفس كما الجسد، لها إشكالياتها المختلفة وأوجاعها المتنوعة المحتاجة أبداً إلى بلسم يداويها كي يعيش الإنسان بأقل قدر ممكن من منغّصات تعرقل مسيرة حياته وعطائه. ذلك أن بعض الأزمات، التي تعترضنا والتي قد تبدو تافهة في نظر البعض، تؤسس مع مرور الوقت لأمراض نفسية عميقة تُبعد بعضنا عن إنسانيته وتفاعلها مع محيطها. كما أن بعض هذه الأمراض والأزمات هي المنشأ الأساس للعديد من الأمراض العضوية كقرحة المعدة أو الكولون وما شابه. وفي ظل ما تعيشه سورية وشعبها في هذه الحرب التي أتت على البشر والحجر، أصبحنا جميعاً وقوداً لنيرانها بشكل أو بآخر، تجلى بعضها بضغوط وشدّات نفسية خطيرة طالت الأطفال بشكل رئيسي، بحكم هشاشة تكوينهم النفسي وبراءتهم، مما يستدعي علاجهم منها بشكل سريع كي لا يقعوا فريسة أمراض نفسية وجسدية تقتلعهم من الحياة، وتجعلهم كريشة في مهب رياح التخلف والجهل والضياع.

فهل يعي الأهل والمجتمع بمختلف هيئاته المعنية (رسمية وأهلية) ضرورة الاعتراف بخطورة تلك الأزمات والأمراض على مستقبلهم ومستقبل الوطن، وبالتالي ضرورة التصدي لها بكل الوسائل..؟

العدد 1105 - 01/5/2024