على ترانيم الأمل…. نرقص

على أنغام موسيقا الموت، استقبلناه، تغافلنا لوهلةٍ عمداً عما يحدث من حولنا علّه يصغي لأمنياتٍ غصت بها الحناجر، لأملٍ يصاغ كل يومٍ بطريقةٍ جديدة، محاولاً بث الدماء في العروق فتنبض القلوب مجدداً، ويتحقق الحلم…

إلا أنه لم يُعر كل هذا أيما اهتمامٍ، فكان كما سابقيه، ضيفاً على رحلة العمر ثقيل الظل، خانقاً للأرواح، قابضاً بكل قسوةٍ على جميع مفاتيح الفرح، ناثراً إياها في مهب الريح… لم يستطع ربيعه أن يبث في الأوصال الدفء المنشود، ولا صيفه حمل إلا جمر الترقب والانتظار، لم يستطع خريفه إلا أن يبعثر القلوب، ولا شتاؤه زاد إلا الصقيع وحلكة الدروب…

لم يحمل لأطفالنا ضحكاتٍ حلمنا لهم بها، بل زاد من قسوته بالهجران والغربة والفراق المتواصل، لم يجعل من الأمهات إلا ثكالى تائهاتٍ بين حلمٍ بلقاءٍ موعود ويقظة فراقٍ أبديٍ أشد مرارةً… ومن الآباء إلا ضيوفاً غريبين على بيوتهم وإن هم لم يهاجروا جسدياً، ذلك بأنهم هاجروا روحياً ومعنوياً في رحلة البحث عن لقمةٍ تسد رمق أطفالهم، أو كسوةٍ تقيهم حر الصيف وقرّ الشتاء.. لم يترك للصبايا والشباب مجالاً لحلمٍ بفرحة العمر المنتظرة….

ها هو يرحل، وربما يظن أننا آسفون لوداعه، لكنه حتماً سيخسر الرهان….

فهو لم يدرك أننا برحيله سوف نحيا، سوف نقوى

سوف ننفض عن أجنحتنا آلاماً أضافها إلى جملة الآلام العتاق…

فها نحن….

كما الفرس البرية…. بعد كل كبوةٍ ترفع الرأس عالياً غير هيّابةٍ بما هو آتٍ…

كما النسور نحلّق…. بكل الرغبة بشمسٍ جديدةٍ، وفضاءٍ أوسع….

فليكن وداعاً لائقاً به، وبحجم الخراب الذي خلفه…

وداعاً… مع أمنيةٍ بعدم اللقاء ثانيةً…

وداعاً محملاً بتوقٍ لاستقبال عامٍ آخر

لأحلامٍ لم تزل أعيننا ترنو إليها

لأمنياتٍ لن تتخلى أرواحنا عن التشبث بها

لسلامٍ يجتاح الذاكرة فيشفيها

لحبٍ يظلل حياتنا فنخرج من النفق المظلم الذي أرّقنا منذ خمسة أعوام

بكل ثقل الأمنيات

وبقدر هول المفاجآت

بحجم الحلم…. بأن تظلل السكينة أيامنا

وأن تلون ضحكات الأطفال ربيعنا

وأن تمسح نسيمات الصيف الرقيقة دموع أمهاتنا

نستقبلك

أيها القادم المجهول

أيها العام الجديد

نستقبلك… بكل بهاء وعنفوان الحلم

بكل ظمأ الروح للفرح

نرفع نخبك…. ونتحدى موسيقا الموت

ونرقص رقصة غجريةً فرحاً بقدومك

على أنغام موسيقا الأمل.

العدد 1107 - 22/5/2024