العيد أمل بانتصار الحياة

 الحياة نهر متدفق بشلالات الإنسانية المتنوّعة على مرّ الأزمان..نهر متجدد بمآلاتها ومناسباتها التي تمنحها سرّ وجودها وبقائها على مرّ العصور..وما يميّز تلك الإنسانية عن غيرها من كائنات، أنها بالأمل تحيا وهو لها على المدى زاد.. ولولا الأمل لما كان هناك تراكم تجارب وخبرات ومعارف شكّلت مع مرور الزمن إرثاً إنسانياً تتناقله الأجيال ثقافة تمنحها الدفء والحميمية واستمرار الحياة..

والأعياد إحدى مظاهر ثقافات الشعوب، التي تشكّلت من حاجة الإنسان إلى إحياء الفرح بمناسبات بقيت إلى يومنا هذا عنواناً دائماً وأزلياً لتلك الشعوب التي ترى فيها رمزاً لتجدد أيامها ومستقبلها..وبالمقابل، فإن عموم الشعوب حين تتعرض لكوارث وهزّات وأزمات، فإنها تكتفي من العيد حين يأتي بشعائره الدّالة على الاستمرارية، مبتعدة ما أمكن عن مظاهر الفرح، بل ربما تقيم شعائر الحزن احتراماً لمن قضوا أو رحلوا أو نُكبوا.. ولكن إلى حين انقضاء مراسم الحزن المؤقت.. لأن لا حياة مع حزن مقيم.

إن عموم السوريين ومنذ سنوات خمس، لم يعرفوا من العيد سوى ذكراه وشعائره الدينية فقط.. بل إن قدومه بات يعني للكثيرين تجدد الحزن والمآتم، لفقدان أحبة قضوا نحبهم، أو كارثة حلّت فأخذت في طريقها ما أخذت من أمان واستقرار وآمال.. حتى بات الأطفال يتهيّبون العيد بسبب أحزانٍ متجددة تمنع عنهم فرحهم به وبما يرغبون أن يحمل لهم من هدايا وثياب وحلوى.. إنها حرب لم تقم وزناً لأطفال ينتظرون بابا نويل محمّلاً بما يحلمون ويشتهون، ولا لأراجيح تنقلهم لعالم من خيال.

لقد رحلت من حياة السوريين فرحة الأعياد وانتظارها والانشغال بها.. فقد أقام الدمار والموت والخراب على وقع حرب مجنونة بكل الأبعاد والمقاييس، إنها لعنة الكبار والسفاحين حلّت في بلاد ما عرفت غير الفرح والأمل..لكن هذه البلاد بدأت تعي تفاصيل الحكاية، وعرفت أن المقصود وأد روح أهلها المتشبثين أبداً بالكبرياء والعنفوان وعشق الحياة، لذا تأمل من الحياة أعياداً فوق أعياد تستقبلها بفرح وإن كان معتّقاً بحزن لم تنفكّ عراه في أمد منظور.. بلادنا تعي أن استقبال العيد والاحتفاء به يعني قهر من أرادوا لها الموت والدمار..

فلتكن الأعياد مناسبة نجدد فيها انتصار الحياة على الحياة.. وأملاً زاده الأمل.. وكل عام وجميع السوريين بإصرار وانتصار وزاد يليق بهم.. علّ القادم من الأعياد يحل بأمان وسلام وإخاء.

العدد 1105 - 01/5/2024