يوم الفرح لا تفوته

 في ظل تلك المعاناة واليأس الذي أحاط بالناس بسبب الحرب، إلا أن هناك من يرى بأن فرحة العيد بقدوم العام الجديد والاحتفاليتين الخاصتين (بالمولد النبوي الشريف واحتفالية ميلاد يسوع المسيح) يجب أن تتغلب على تبعات الحرب، بكل ما أمكن رغم المشاكل الحياتية المتصاعدة نحو التعقيد والقسوة، وعداد الموت المراد له أن ينسى التوقف.

الإصرار على فرحة الأعياد إرادة شعبية دواعيها كبيرة، من خلال بث شعاع من الأمل نحو المستقبل محاولة للخروج من ثقل الوضع المأساوي الذي كرسته السنين الخمس الأخيرة في ذاكرة الكبار والصغار.. إذ من المعروف بالمعنى النفسي، أنه في أوقات الأزمات بصورة خاصة تصبح الحاجة إلى التواصل الحسي (المعايدات بين الأقارب والأصدقاء والجيران) من خلال التّصافح ومبادلة سكاكر الأعياد والهدايا التي يبقى أثرها المفرح غير ممكن التقدير تماماً، إذ يختلف هذا الأثر من مرة لأخرى، هذه الطقوس البسيطة بين الناس هي من المتع الأساسية التي تشعر الإنسان بالأمان في الظّروف الاستثنائية أكثر من وقعها في الظّروف العادية.

كما أن الحاجة إلى لمحبة وقت الشدائد هي أكثر إلحاحاً من أي وقت آخر، وأكثر من كل الحاجات الإنسانية الأخرى. ففي حين أن الإنسان لا يمكنه أن يغير الأحداث، إلا أنه يبقى له إمكانية أن يتجاوز تبعات هذه الأحداث من خلال المشاركة الاجتماعية الحميمة، فعندما يشعر أحدنا بمحبة الآخرين له ينبض إحساساً مفعماً بالثقة والفرح بدواخلنا.. اهتمام كل منا بالآخر هو سبيلنا للمحبة، كما أن المحبة هي من أهم الأمور التي يمكننا أن نفعلها لمن يشاركوننا الحياة وقت الشدائد.. فلنجعل هذه الأزمات الحياتية لكل منّا فرصة رائعة للتعبير عن الحب واللمسات الحنونة، التي ستظل في الذّاكرة فترة طويلة بعد مرور أزمات الإخفاق.. من الواجب أن نستقبل الأعياد بالفرحة التي تليق بها، رغم الظروف العصيبة التي يرهقنا ظلها المسقط علينا.

إن العيد ضيف خفيف الظّل لا يأتي سوى مرة واحدة في العام، ويجب أن نستعد له ونفرح به، حتى من أجل أن نخرج من الخوف والحزن ونستثمر المناسبة لنعيش أيام مختلفة الأثر الانفعالي على نفسيتنا، عبر ما تمنحنا من تجدد وتخطي لروتين الانتظار وثقل اليوميات التي لا تخلو من المفاجآت غير السارة صغرت هذه المفاجآت أم كبرت.. يقول المثل الشعبي: (يوم الفرح لا تفوته)، ومن أمثلتنا الشّعبية أيضاً التي تكرس ضرورة اغتنام لحظات الفرح بالعيد: (الفرح ما يجي كل يوم)، وعند الديريين السوريين (سكان دير الزور) يقولون: (الفرحات شلفات) أي هيهات أن تأتي من حين إلى حين.. هذه الأمثلة الشّعبية التي هي منطوق الناس ووجدانهم في بلادنا، تحفز لدينا السّعي إلى تكريس ثقافة الفرح الواجب تبنّيها في نظام تفكيرنا وتنشئتنا للأجيال القادمة..

إن اللحظات والمناسبات السّعيدة والأعياد تزيد من التّواصل والتّراحم وصفاء النّفوس بين الأهل والأصدقاء، وهذا أروع ما في العيد، أنه يكرس فرحة اللقاء بالناس، ذلك أن الناس هم المسرة وفق كلام الإنجيل، فالتّواصل الإنساني فرصتنا لتناسي الأحزان، وتحفيز التّسامح لتحيا المحبة التي تظهر على وجوه الجميع من كل الأعمار والشرائح الاجتماعية المختلفة. فأيام الأعياد مجال رحب واستثمار جيد لنشر بذور المحبة والاستقرار والأمن النفسي بين أفراد الأسرة، من خلال الإمساك بالإحساس الذي تبثه المناسبة في النفوس..

من الثابت في أذهاننا من مظاهر الأعياد في بلادنا: ارتياد الأماكن العامة والترفيهية للتّرويح عن الأسرة، أن نرى الأطفال يلعبون ويمرحون، يلتفون حول آبائهم وأمهاتهم فرحين مسرورين يشاركونهم فرحة العيد، كم كنا نرى الأماكن التّرفيهية، مكتظة بالعديد العديد من الأسر مع أبنائهم يشاركونهم اللهو والمرح، سعياً لعيش الأثر الطّيب في نفوس الأبناء، من حيث أن الآباء يستعيدون ذكريات الماضي، ومحاولة منهم بشكل أو بآخر استثمار تلك الأوقات وتجديد العلاقات، بإملاء خزان الحب والحنان لديهم من خلال سعادة أبنائهم.

ويبقى العيد فرصة علينا الحظو بها تبعاً للمثل القائل: (العيد للي يعيّد بيه)، وكذلك كثيراً ما يردد (بعد العيد ما في كعك)، وغيرها من أقوال تحرك في النفوس همة السعي إلى الفرح خلال أيام الأعياد.. وبما أن مصاب السوريين واحد، يحضرني مثل شعبي آخر يقول إن: (الحشر مع الجماعة عيد) لذلك دعونا نبتهج للأعياد علّ في ذلك ابتهال خير وسعي نبيل للفرح.

إنه لمن المصادفات الجميلة هذا العام أن يجتمع في وقت واحد عدة مناسبات للفرح بالأعياد (فيكون للفرح فرصة أكبر لتنتشر بين الناس..أعياد (المولد النبوي، الميلاد، رأس السّنة الميلادية).

فدعوتي التي أشدد على الأخذ بها تتمثل بالمثل الديري القائل:(يوم الفرح ما تفوّته) …حقيقة لا أعرف لماذا انهالت على ذاكرتي الأمثال الشّعبية من مدينة الدير الحبيبة عفاها الله من شرور المجرمين والمارقين..

العدد 1105 - 01/5/2024