الليلة ليلة عيد

 تقطن الشوارع بحلّة بيضاء، مزينةً بأضواءٍ وأشجارٍ مبهرة، ألوان الزينة الحمراء والذهبية تلمع في كل مكان، ترانيمٌ من فرحٍ تسمعها الآذان.. رجل الهدايا محمّلٌ بكل أشكال الهدايا وأنواعها، موائدٌ تحتفي بطيب الطعام، سهراتٌ تحاكي ليل النجمات…. كان كلّ ذلك في ليالِ سالفة للشام، أما الآن باتت حلماً أصعب من أن يُنال، وطعمه من مُرِّ الزمان.. باتت الأضواء خافتة، والعيون حزينة، بات الصمت يطبق على الشوارع، والترانيم أصواتها خفيفة.. نقصَ الفرح، ولم يعد كاملاً وسعيداً بطفل المغارة.. طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات.

توجّعت البلاد وافتقرت للأمان، نام الناس على سطح الأرض إما أمواتاً أو مشردين أو لاجئين، صارت المغارة حلماً للكثيرين، وصار السلام نعمةً أحس بقيمتها الناس بعد أن أذابهم الأنين.. وعوضاً عن قديس الهدايا المحمّل بالفرح والحب، أتاهم الغدر محمّلاً بالبغض والحرب والرصاص… ما زال الناس يرقصون، لكن ليس فرحاً بل تخفيفاً للآلام… حلت محل أصوات الأجراس أصوات القذائف والبواريد، غابت رائحة البخور لتحلّ محلها رائحةً من دمٍ وبارود.. طوبى للحزانى لأنهم يتعزون. هو العيد الآن في بلدي، عيدٌ كباقي الأعياد، أيام تشابه كل الأيام.. لا، ليس تماماً، فالحزن أكبر، والخوف أعمق، والجيوب الفارغة أكثر…

يحتفل المسيحيون في أنحاء العالم بعيد ميلاد السيد المسيح الذي وُلِدَ في بلاد الشام، البلاد التي هُجِّرَ منها المسيحيون عبر الزمان بسبب الحروب والويلات والمخططات، وباتوا يحتفلون بعيد معلمهم من الخارج، يحتفلون فيه بعيداً عن أرضهم ومنازلهم، غير قادرين على تقديم المباركات له ولهم في وطنه. هكذا هو العيد. طوبا لكم إذا أبغضكم الناس وإذا أفرزوكم وعيّروكم وأخرجوا اسمكم شريراً من أجل ابن الإنسان.

هناك صبرٌ وحيد يقول داخل قلوب المؤمنين، أن هناك لكم ربّاً لن ينساكم طوال السنين، وسيبعث لكم رحمةً من عنده تنسيكم كلَّ الأنين.. سيحلّ عليكم سلامه لأنكم صبرتم.. طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون.. جميلٌ هو العيد كيف ما كان، فبه نزرع الرحمة والسلام، به نسامح، وفيه ننسى بشاعة الأيام، من خلاله نعاود التواصل الروحي مع السماء، فنحاول رسم المحبة في نفوس الفقراء والضعفاء والبسطاء. طوبى للرحماء لأنهم يُرحَمون.

هو وعدٌ من سيدنا يسوع المسيح لكلّ المظلومين في هذه الأرض. طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله.

كل عامٍ وأنتم بخير.. كل عام سيأتي وأنتم باقون لتعيشوا السلام الآتي، كل عام وسورية ستصبح أقوى وأجمل..

كل عام وأرضنا مباركة، وربنا حامياً لها من كلّ مكروه.

العدد 1105 - 01/5/2024