نحن والفيس.. ووجه الشبه

 شئنا أم أبينا، صار للعلاقات البسيطة والمعقدة التي تشبك بيننا، بصفتنا أفراداً على أرض الواقع، مرادفاً افتراضياً صنواً لها في الخصوصية، وأشمل منها على شبكة الإنترنت، بنوافذها الكثيرة والمتجددة بميزاتها. فنحن في الحقيقة من المستحيل أن نجد فلاناً من الناس يرتبط بأواصر صداقة مع خمسة آلاف شخص، لكننا نجدها محققة افتراضياً على الفيسبوك الذي أطلق اسم صديق وليس زميل على كل من تقبل استضافته في صفحة تشبه إلى حد كبير المنزل! في حال مارس المستضيف حريته باستخدام ميزات الصوت والصورة، وتعميم بعض الخصوصية أو كلها إن أراد. ترى إلى أي حد تملأ هذه الشبكة الفراغ الذي يعاني منه أغلب شبابنا وشاباتنا بسبب الزيادة الهائلة في نسبة العاطلين عن العمل والبعد عن القراءة من أمهات الكتب؟! إلى أي حد يمكن أن نستفيد منها في واقعنا المعاش ليس فقط الاجتماعي وإنما أيضاً المهني؟

لا ننكر أن معلومات هائلة تقدمها لنا الشبكة عبر  محرك البحث، خاصة للطلاب ولهؤلاء الباحثين عن الفائدة بما يعزز موقعهم المهني، ومن ثم إيراداتهم المادية، لكننا لا ننكر أيضاً تلك التفاهة بالمطلق وكمن يملأ الفراغ بالفراغ عبر غرف الدردشة، أو الألعاب التي تستهلك وقتنا وقدراتنا، والتي تنفخ في القِرَب المقطوعة في نهاية المطاف. باعتقادي لو أردنا إحصاء نسبة الاستفادة إلى غيرها خصوصاً في مجتمعاتنا لرجحت النسبة السلبية أكثر كثيراً على النسبة الإيجابية.

في الوقت ذاته، وفي ظل الحرب الطاحنة التي تدور في بلادنا، متّنت هذه الشبكة أواصر صداقة عميقة بين كثيرين من ذوي الاتجاه والرؤية الفكرية الواحدة الحقيقية أو المُضللة، في الوقت الذي باعدت بين كثيرين منا، وأقامت شرخاً عميقاً لن يرمم بسهولة إلاّ في حال امتلك الجانبان وعياً استثنائياً يبحث عن مصلحة الوطن العليا.

في الشبكة على الأغلب الطيور على أشكالها تقع، تماماً كما في الحياة، إن قلت لأحدهم مرحباً ولم يرد فلن أسلم عليه ثانية، وفي الفيسبوك إن زرت صفحتي ووضعت (لايك) على مدونتي زرتك وعملت واجبي برد زيارتك ولو نفاقاً، إن أردت الدردشة والثرثرة بما لا يجدي، مللتك وابتعدت.

 صداقات متينة تنهار، وأخرى تبنى من جديد، من أجل ترميم صدع الفشل الاجتماعي أو الانطواء، بالقدرة على التواصل الحر، علاقات عاطفية صادقة، خداع وتنكر وأقنعة تستجر القبول انطلاقاً من كشف ما يفكر به الآخر من خلال مدوناته، خيانات زوجية، والكل يبحث عن ملذاته أو حاجاته التي حرم منها في حياته.

وباتت المواعدة من أجل التعرف عن قرب أمراً طبيعياً، يؤدي أحياناً إلى استمرار تأسيس صداقات متينة أو علاقات حب بدأت بإعجاب وانتهت بزواج واستمرارية، وأحياناً أخرى سببت صدمة، كما حصل مع صديقتي التي تبادلت الأفكار الجميلة والراقية كما وصفتها مع صديقها المهندس المصري، فغامرتْ وسافرتْ إلى مصر من أجل رؤيته بعد وعده لها بتأمين عمل معه في شركة النفط العالمية، ومن النظرة الأولى نفرت منه، لم تشعر بكيمياء أو فيزياء أو جغرافيا تقرّب أرضها من أرضه، فتذرعت بارتباطها مع مجموعة سياحية وتركته إلى الأبد، بعد أقل من نصف ساعة قضتها معه على مضض.

الدراسات حول ذلك لا تحصى، البعض يرفض هذه الوسائل، فيراها أفيوناً حديثاً، ورغم فوائدها الهائلة، لا يرسخ في ذهنه إلا سيئاتها، ومن أجل إقامة التوازن لا ينفع الهروب، بل لا بد من التأسيس بالتربية والمناهج المدرسية اللذين يلعبان دوراً كبيراً وفعالاً في امتلاك الجيل هذا التوازن.

العدد 1105 - 01/5/2024