الاندماج… مشروع غير قابل

 يعتبر الاندماج أحد أشكال التعايش بين أفراد المجتمع الواحد أو الأسرة الواحدة، ويتمثل في جملة من المفاهيم والقيم المشتركة التي تربط هؤلاء الأفراد فيما بينهم، والتي نشؤوا وترعرعوا عليها منذ الطفولة المبكرة.

ورغم ذلك، فإن هذا الشكل من التواصل يبقى غير تام كلياً، ذلك أن لكل إنسان أسلوبه ونظرته الخاصة في الحياة، لا سيما عند بلوغ المرء مرحلة متقدمة من حياته، فعندئذ من الصعوبة بمكان تحقيق الاندماج بالصورة الكلية، لأنه بكل بساطة يكون قد تشرّب جملة من المفاهيم والمعتقدات بات التخلص منها شاقاً عليه.

هذا في المجتمع الواحد، فما بالنا والحديث هنا عن فكرة الاندماج بمجتمعاتٍ مختلفةً كلياً عما نشأنا وتربينا فيها، فنأتيها وفي جعبتنا جملة من القيم والعادات والمفاهيم التي لا علاقة لها بها، وهي القائمة على ما هو مختلفٌ بشكلٍ جذري، فيبدأ التخبط بين الانسجام وتقبّل الواقع الجديد، والموروث المتشبث بتلافيف أدمغتنا، وعلى هذا سنكون أمام شخصياتٍ غير متوازنة على المستويين النفسي والاجتماعي، فإما الرفض ومحاولة إبراز الذات بشكلٍ فظّ، أو الاستسلام والانجراف لكل ما يظهر أمامنا، ومهما حاولنا أن نظهر من الانسجام والتعايش فإن شعرةً واهيةً تفصلنا عن النكوص والتقهقر.

وبذلك فإن الاندماج الذي يمكن أن يؤتي ثماره ربما سيكون من قبل الأطفال الصغار الذين سينشؤون في تلك المجتمعات ويكبرون فيها، وبالتالي سيحملون قيمها ومفاهيمها، وسيصبحون مع مرور الوقت كأفرادها الأصليين، وهنا لا يمكننا أن نطلق على هذه الصورة صفة الاندماج، بينما لا يمكننا تخيّل حدوثه من قبل الأشخاص الأكبر سناً مهما حملوا من شهادات أو من وعي، فالفروق شاسعةٌ بين المجتمعات، وهذا ما تحدث به البعض ممن هاجروا من بلادنا إلى الدول الأوربية، من خلال تجاربهم الشخصية، مصوّرين المعاناة التي يعيشونها في فهم آليات التفكير والنظرة إلى الأمور وجوانب الحياة المتنوعة والمتشعبة، وشعورهم الدائم بالغربة حيثما حلّوا.

هناك رأي يقول إن هذه الهجرات ربما تشكل ركيزة أساسية في تقريب المجتمعات، وبالتالي تصبح هناك منظومة تفكير تشمل وتوحّد المجتمعات على المدى البعيد، إلا أن الواقع الحقيقي يدحض هذا الرأي، لأن ذاك الطفل الذي ترعرع في مجتمعٍ غير مجتمعه الأصلي سيكبر وقد حمل قيم المجتمع الذي نشأ فيه ومفاهيمه، فإن فكّر ذات يوم بالعودة إلى ما اسمه البلد الأصل فسيشعر حتماً بالغربة والاختلاف، وبالتالي لا صحة لذلك الرأي على الإطلاق.

العدد 1105 - 01/5/2024