التحالفات.. مقاربة أولى

 التحالف السياسي هو اتفاق بين تيارين سياسيين أو أكثر.. الجامع المشترك هو أفكار متقاربة، وأهداف مشتركة ليست بالضرورة متطابقة، حيث يسعى المتحالفون لتوسيع مروحة التفاهمات.. ويمكن أن يكون التحالف آنياً أو استراتيجياً حسب طبيعة ومقتضيات المرحلة. إن التحالف وبمختلف أنواعه، سواء العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية، هو ظاهرة قديمة قدم الحياة، وليس وليد اللحظة.

شروط التحالف

إن التحالفات السياسية وكما نعتقد هي من أهم وأعقد المسائل السياسية في حياة الأحزاب.. لاشك أن كل حزب سيطرح (من هو الصديق والعدو).. كيف يمكن بناء شروط التحالف وعلى أية أرضية.. ومع من؟ وما هي أطراف التحالف وضمانات حرية التصرف؟ كل ذلك يعد من المسائل السياسية الهامة في حياة كل حزب، سواء الداخلية أو الخارجية.

طبعاً سيتم مناقشة الأولويات، فالتحالف وفي ظروف بلادنا، تعد من المقومات السياسية الهامة لكل حزب، حيث يتم تحديد المسار الوطني والطبقي مثلاً للأحزاب الشيوعية. الذي يبني تحالفاته على قراءة سياسية لطبقات المجتمع وممثليه السياسيين. ربما يضطر الحزب السياسي لبناء تحالفاته، أن يتنازل أو يجمد بعض أهدافه، حسب الظرف الزماني والمكاني.

بينت التجارب التاريخية أنه لابد من تنازلات مشتركة لأطراف التحالف.. أيضاً هذا مرتبط بمدى قوة كل طرف وتأثيره.. أحياناً هناك تنازلات مؤلمة أو ربما مساومة من قبل هذا الطرف أو ذلك، أيضاً ربما تظهر أنواع من التبعية لدى بعض أطراف التحالف، وهذا ليس غريباً ويمكن ظهوره في كل مرحلة سياسية، حيث يتم فرض النمط السياسي العام للطرف القوي واستئثاره بالحياة السياسية، وهذا له انعكاساته السلبية على عموم الوطن.

إن الحزب السياسي الواعي هو الذي يظهر جرأة موضوعية عند إقرار التحالف، حيث التوازن بين الواقع والمبدئية، ودفع التحالف لمقاربات فركية قريبة من أهدافه، بعيداً عن ردود الأفعال، والوقوع في فخ الانتهازية السياسية.. هنا لابد من التمييز بين تحالف تكتيكي وتحالف استراتيجي، حيث تبدلات الصراع السياسي ومستواه في كل مرحلة، مع الاستناد للحدود الدنيا للعمل المشترك والهدف المراد إنجازه.

هنا التحالف يمكن أن يكون مشروطاً أو حتى مؤقتاً، ينتهي بانتهاء أهدافه، أو أن يكون الهدف المرحلي مقدمة لمراحل أعلى في الأهداف. طبعاً دون المساس بالجوهر الفكري للحزب إلا إذا أقر الحزب بذلك. أيضاً التحالفات هي حرة وطوعية ولكل طرف الحق في الانصراف في الزمن الذي يختاره.. ربما تنشأ خلافات مستجدة بين أطراف التحالف، لا تلبي طموح طرف معين، أو عدم إمكانية الاستجابة لمتطلبات حلها.. هنا لا تحجب إمكانية نقد الأطراف الأخرى ولا يمنع التحالف سعي كل طرف لشرعنة مشروعه الفكري واستقطابه لأكثر شرائح المجتمع.

فالتنافس السلمي مشروع طالما هناك آليات تنظم ذلك.. من هنا نجد أهمية تشكيل التحالفات الوطنية، لن معظم الأحزاب السياسية الوطنية في سورية قد تشكلت تاريخياً، ونرى ضرورة إشراك الأحزاب الناشئة ذات التوجهات الوطنية والتقدمية لزيادة وبلورة تجربتها السياسية.

لا ندعي في هذه المقالة العجالة.. الإلمام بجوانب هذا الموضوع الهام (التحالفات) الذي سيطرق الأبواب بقوة، بعد تجاوز العدوان على سورية، التي ستبقى للسوريين جميعاً دون تمييز عرقي أو مذهبي، والذي ستلفظ التوجهات ذات الأبعاد الطائفية.. فهل نستعد كوطنيين للمرحلة القادمة ومتطلباتها؟

العدد 1105 - 01/5/2024