شهادة حول الأديب الراحل محمد خالد رمضان

ماذا أقول في أديب أغنى الساحة الأدبية بشخصه وبأدبه، أشبّهه بالقاعد وسط بستان، ينظر يمنة فيرى الزهر والورد فيقول الشعر، وينظر يسرة فيكتب القصة القصيرة، يتذكر الماضي وما فيه من مسرات وأحزان فيكتب عن التراث الشعبي، يلتقي بالناس العاديين فيرى أن لغة الزجل هي التي تستثيرهم وتناسبهم، ولأن بيته كان محطة للأدباء لكونه مؤسس اللقاء الأدبي الذي هو اجتماع نصف شهري يلتقي الأدباء فيه ليناقشوا موضوعات ثقافية وفكرية، ويستضيف بعض أعلام الثقافة في سورية، ثم تحول هذا اللقاء إلى شهري، ولأن العديد من الأعمال الأدبية تناقش فيه، فقد كتب النقد.

أستطيع أن أقول إن الأديب محمد خالد رمضان كتب في مجالات الأدب كافة، وأنا من معرفتي به، عرفت فيه الإنسان الوطني الغيور على مصالح شعبه، فمنذ سبعينيات القرن الماضي ترددت على ملتقاه الثقافي في بيته الذي كان في قاسيون، ثم في مشروع دمر، وأخيراً في ضاحية عذرا العمالية، فعرفت فيه المضياف الذي دخل الكثير من الأدباء بيته وملتقاه الأدبي الذي استمر من سبعينيات القرن الماضي حتى عام 2013 إذ توقف بسبب الأوضاع الأمنية التي لم تساعد على استمراره.

كتب الراحل أبو عبدو في مجال الشعر القصيدة العمودية، وكتب قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، فبدا شعره واضح المعالم يؤدي غرضه، الطبيعة تأخذ منه نصيبها الوفير، فكما يلون البستاني زراعة حديقة بيته بالورد والزهر، فإن الياسمين الدمشقي وأوراد الزبداني والزهور البرية حاضرة في قصائده حتى نكاد نشم عبقها أثناء القراءة. لا يحب التفسير ولا الاستطراد، ولا الصفات في الشعر، ولا في غيره من صنوف الأدب، ويرى أن ذلك يحط من شأن القصيدة، ولهذا جاءت معظم قصائده تميل إلى القصر والتكثيف، خالية من كلِّ هذه الشوائب، ويحاول دائماً أن يكون حاضراً في قصائده، يكتب بضمير المتكلم، الذي هو في الشعر معبر عن ليس فقط عن الشاعر بل أحياناً عن روح الجماعة. قصائده مؤججة بالعواطف الإنسانية الممثلة في الحبِّ وفي البوح الوجداني وفي الروح الوطنية، ألفاظه وتراكيبه من النوع السهل الممتنع مع بعض الصور الفنية الشعرية. يعتمد أحياناً على التناص واستعارة الأسطورة في بعض قصائده. لا يغفل عن المكان المسيطر على قصائده. فالطبيعة تشدّه، إنه ابن الزبداني هذا السهل الجميل، والطبيعة الخلابة.

أنتقل إلى القصة القصيرة وبدايتها مع مجموعة (تأبط شراً يبحث عن رغيفه) الصادرة عام 1978 التي كانت ذات لغة ومواضيع وشخوص تبحث عن حياتها عن إنسانيتها، فتحكي الواقع المسلوب وهي قصص بشرت بولادة قاص موهوب، في قصصه هذه يستطيع أي قارئ إن كان أديباً أو عادياً أن يفهم ويستوعب موضوعاتها وما يريده القاص، إلا أنه في مجموعته (النقش بالنار على الوجوه المتقابلة) صدرت عام ،1980 ابتعد عن أســــــلوبه السابق، فقصص هذه المجمـوعة وما تلاها من (تحولات الزمن الواخز) الصادرة عام ،2008 نرى أن كتابته اختلفت، فاستعـصت موضوعاتها على الفهم، إذ اعتمد متواليات من الجمل القصيرة جداً، ليقول فكرة ما أو ليوضح حدثاً، وأحياناً تكون الجملة كلمة. هذا الأسلوب يتفرد بكتابته، ولا يستطيع غيره الكتابة به.

أما الدراسات التراثية فهو يحاول أن يقدم أبحاثه مع شيء من التحليل والدراسة، وقد أغنت كتبه الصادرة في هذا المجال الدراسات التراثية الشعبية في سورية، وهو يعتبر علماً بارزاً في مجال التراث الشعبي، ويمكن الرجوع إليه وأخذ رأيه في أيِّ مسألة لها علاقة بالفولكلور السوري وحتى في فولكلور بلاد الشام.

في مجال النقد، وجدت أن للأديب محمد خالد رمضان طريقة في النقد، قلما يحيد عنها، فهو يحبذ الكتابة بالفعل المضارع، ويرى أن الكتابة بالفعل الماضي لا تعطي للقصة توهجها، أما في استخدام الضمائر فيفضّل ضمير المتكلم أو ضمير المخاطب الذي يراه أقرب إلى الحداثة، ولا يحبذ الكتابة بضمير الغائب. هذه الأمور ينبه عنها في نقده للشعر أو القصة وحتى الرواية.

أخيراً، يظل الراحل الأديب محمد خالد رمضان (أبو عبدو) أحد رموز المشهد الثقافي والأدبي، وهو لم يأخذ حقه في حياته من التكريم والعطاء.

العدد 1107 - 22/5/2024