مساهمة في النقاش حول الدستور

 نشرت جريدة (النور) الغراء في العدد ،756 الأربعاء 8/2/2017 وتحت عنوان (دستور سورية يصنعه السوريون وحدهم)، نشرت المبادئ الرئيسية الدستورية التي تعبر عن رأي الحزب الشيوعي السوري الموحد ووجهة نظره، التي يناضل هذا الحزب مع القوى الوطنية، ليتضمنها الدستور الجديد، أو التعديلات الدستورية، التي من المهم إدخالها على الدستور القائم.

ولأهمية الموضوع وطنياً وسياسياً ودستورياً، واحتراماً لجريدة (النور)، ولما تمثل من قطاع هام من الشيوعيين السوريين (الحزب الشيوعي السوري الموحد)، ومن هم خارجه تنظيمياً، ويتفقون مع رأي هذا الحزب وموقفه، سواء في كل هذه المواقف أو بعضها، من القوى والشخصيات السياسية الوطنية والاجتماعية والسياسية.. أقدّم هذه المقالة، تفاعلاً مع مبادرة (النور) وما تمثل، واحتراماً لما ورد في المبادئ المشار إليها.

* أولاً- من المهم جداً الإشارة والتأكيد أن (دستور سورية يصنعه السوريون وحدهم)، ومن غير المطلوب ولا المقبول أن يُفرض دستور البلاد من الخارج، أياً كانت الدولة وموقفها من الأزمة/ الكارثة السورية، سواء كانت دولة معادية أم حليفة، أو من أي هيئة أو منظمة دولية.. أياً كانت صفتها أو شرعيتها.

فالسوريون بلد وشعب حضاريان وعريقان، ولهم وجود في التاريخ الإنساني لأكثر من سبعة آلاف عام، ولديهم من الكفاءات القانونية والدستورية ما يضعهم في مصاف أرقى الخبرات لإنتاج دستورهم.

هذا شيء، والاستفادة من التجارب السياسية لشعوب العالم ودوله، ومن أنظمتها الدستورية شيء آخر، خاصة أننا نعيش في عالم يكاد يكون قرية كونية واحدة، الجميع متجاورون، والفوارق بين شعوب ومجتمعات هذا الكوكب تضيق وتتقلص، ويتجه العالم بأجمعه نحو رؤية إنسانية تلتزم وحدة المعايير الأخلاقية والسياسية والحقوقية أنتجتها الأسرة الدولية، وشرعتها من خلال مؤسساتها العالمية، وضبطتها في معايير وأسس كونية شاملة دون تميز، إلا على أساس مبادئ القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.

* ثانياً- من هنا أهمية أن تتضمن فلسفة الدستور أو مقدمته نصاً:

– يقرر سموّ المعايير الدولية لحقوق الإنسان، كما أقرتها الأمم المتحدة في ميثاقها، وكما حُدّدت في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الاجتماعي والاقتصادي، والعهد السياسي والثقافي، وجميع الاتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات التي أقرتها الهيئة الدولية، وقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، واعتبارها جزءاً من التشريعات الوطنية أولى بالرعاية والتطبيق.

وباعتبار النص الدستوري كأي نص معرفي مفتوح، غير مغلق:

– من المهم التأكيد على الالتزام بما تقدمه الأسرة الدولية من نصوص ومعاهدات حقوقية دولية، جديدة، وتوطينها في تشريعاتنا الوطنية.

– والنص على أن يراعي الدستور هذه التطورات، وأن تجري مواءمة الدستور والقوانين الوطنية هذه المبادئ.

– وعدم إجراء أي تعديلات للدستور، إلا لتحسين نصوصه وتطويرها، بما يؤدي إلى مزيد من الالتزام بهذه المعايير الدولية والانسجام معها.

* ثالثاً- من الأهمية القصوى والمصيرية تحديد مستقبل سورية شعباً ومجتمعاً على الأسس التالية:

1- النص على أن سورية دولة، نظامها السياسي ديمقراطي تعددي علماني، الدولة حيادية بين الأديان، الدين مستقل عن السياسة، والدولة مستقلة عن الدين، دولة لا دين رسمياً لها، وتحترم كل الأديان.

2- الحفاظ على وحدة الأرض السورية وسلامتها وسيادتها.

3- النظام السياسي للدولة يقوم على الأسس الجمهورية، ويجري تداول السلطة سلمياً ودورياً، عن طريق الانتخاب الديمقراطي وفق نظام تمثيلي يقوم على النسبية.

4- إن الهوية الوطنية للسوريين غنية، ويفخر بها مواطنوها، وهي سورية عربية وكردية وآشورية وكل مكونات النسيج الوطني للشعب السوري من القوميات كافة، والشعب السوري واحد ويتكون من عدة قوميات.

– إن سورية لم تكن أقل عروبة عندما كان يطلق عليها اسم (الجمهورية السورية)، ولم تصبح أكثر عروبة عندما أصبحت (الجمهورية العربية السورية).

– المهم أن يكون الاسم يحمل صفات المسمى، وأن يعبر عن الهوية الوطنية لكل السوريين دون تميز.

5- إقرار مبدأ المواطنة (المتساوية) ورفض كل أشكال التمييز بين المواطنين، على أي أساس كان، سواء الدين أو العرق أو اللغة أو اللون أو الجنس أو الانتماء السياسي والمساواة أمام القانون وفي القانون، وتكافؤ الفرص، للنساء والرجال، في كل ذلك سواء، دون أي تمييز لأية خصوصية.

6- النص على سيادة القانون واحترام المؤسسات والفصل بين السلطات.

7- النص على احترام القضاء واستقلاله عن السياسة، وضمان حياده وتأمين حصانة القضاة.

8- النص على استقلال الجيش والقوات المسلحة وقوى الأمن عن السياسة، وعلى دورها في حماية النظام العام وتطبيق القانون وحيادها ومهنيتها، وأن يكون الانتماء للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية متاح لكل السوريين، دون أي تمييز سياسي أو فئوي أو جهوي أو ديني، وعلى أساس تكافؤ الفرص، وأن يكون بمثابة حق وطني لجميع السوريين.

* رابعاً- أن يكون الإعلام الرسمي حيادياً، وعلى أساس المواطنة المتساوية، غير متحيز لأي جهة سياسية، وأن يتاح لكل القوى والهيئات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، دون تحيز، وعلى أساس المساواة وتكافؤ الفرص. وأن تتاح وتُكفل بالقانون، حرية الإعلام والنشر وامتلاك وسائله وتوصيله والوصول إلى المعلومات، للأحزاب والهيئات والأفراد.

* خامساً- تشريع قانون للأحزاب والجمعيات السياسية والنوادي والنقابات، يضمن حرية العمل والتنظيم والاجتماع والتعبير، دون أي تدخل من الأجهزة الأمنية، وأن يكون عمل هذه الأحزاب والجمعيات والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني، خاضعاً لأنظمتها ولوائحها الداخلية، التي حصلت على شرعيتها وترخيصها على أساسه، وتحت رقابة القضاء المختص (محكمة الأحزاب).

وأن ينظم ذلك قانون ديمقراطي عصري ينسجم مع المعايير الدولية، وأن يحكم عمل الأحزاب والهيئات والنوادي ومؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام (ميثاق شرف وطني) يرتقي لدرجة القانون، يلتزم الجميع، بموجبه، بنبذ الدعاية للطائفية والتعصب الديني أو المذهبي أو العرقي أو التمييز على أساس الجنس، وأن يلتزم الجميع بالدعوة للمساواة بين جميع المواطنين نساء أو رجالاً، بالحقوق والواجبات، بالقانون وأمام القانون، وتكافؤ الفرص، ونبذ العنف وكل أشكال التمييز، وخاصة محاربة التمييز ضد النساء.

* سادساً- توسيع دور وصلاحيات أجهزة الإدارة المحلية، أو اللامركزية الإدارية، لتشمل كل الأمور غير السيادية (السياسة الخارجية والدفاع وضمان الشخصية السياسية الواحدة للدولة السورية)، وذلك يشمل الانتخاب الحر لهيئات الإدارية المحلية ومجالسها، ورؤساء هذه المجالس، وبضمنهم المحافظون، وأن يكونوا من أبناء الوحدات الإدارية نفسها.

* سابعاً- النص على هيئات تمثيلية سيادية من مجلسين:

مجلس نواب على أساس نائب لكل عدد (   ) من المواطنين.

2- مجلس المحافظات على أساس عدد متساوٍ من النواب لكل محافظة مهما بلغ عدد سكانها.

* ثامناً- حصر سلطة التشريع المركزي (السيادي) بمجلس النواب.

* تاسعاً- تحديد دور وسلطة رئيس الدولة في التشريع، في حالات محددة بنص واضح (خارج دورات انعقاد مجلس النواب)، وأن تعرض على هذا المجلس لإقرارها في أول جلسة وبأغلبية 75% من أعضاء المجلس.

* عاشراً- 1- تسمية رئيس الحكومة من قِبل رئيس الجمهورية بعد استشارة نواب الشعب، وأخذ رأي الأغلبية البرلمانية في تحديد اسم المكلف لرئاسة الحكومة.

2- أن يكون لمجلس النواب سلطة حجب الثقة عن الحكومة أو أحد أعضائها.

3- الحكومة مسؤولة عن سياساتها وأدائها أمام مجلس النواب.

4- إقالة الحكومة أو أحد وزرائها، يجري باقتراح من مجلس النواب، يقدم لرئيس الدولة الذي يصدر مرسوماً بذلك.

حادي عشر- يرسم رئيس الدولة السياسة الخارجية بالتشاور مع مجلس الوزراء ومجلس النواب، وبما يتفق مع سيادة البلاد ومصلحتها العليا، وبما يتفق مع أحكام الدستور.

– يرأس رئيس الدولة مجلس الدفاع الوطني، الذي يشرف على القوات المسلحة، ويتشكل من عضوية وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش والقوات المسلحة، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة.

* ثاني عشر- انسجاماً مع مبدأ فصل السلطات، واستقلال القضاء، يكون رئيس محكمة النقض هو رئيس مجلس القضاء الأعلى.. ويكون أحد أعضاء محكمة النقض رئيساً للمحكمة الدستورية.

* ثالث عشر- النص في الدستور على مبادئ اقتصادية تدعم الاقتصاد الوطني والقطاعات المنتجة في الزراعة والصناعة، وتقدم كل التسهيلات التشريعية والضريبية والخدمية المتعلقة بحياة المواطنين.

– اعتماد سياسة ضريبة تقوم على توزيع عادل للضرائب والأعباء الضريبية، تنحاز للشرائح الوسطى والفقيرة، وتخفف أعبائها، وتلتزم معياراً عادلاً على أساس الضريبة التصاعدية.

– سن تشريعات للتأمين ضد البطالة، وقانون عادل للتقاعد يحمي ويشمل كبار السن رجالاً ونساء، ويشمل أصحاب المهن الحرة.

– إعادة بناء قطاعي التعليم والصحة، على أسس ديمقراطية، تقدم هاتان الخدمتان بكفاءة عالية ومجانية، ولكل المواطنين، وبفرص متكافئة على صعيد المواطنين، وعلى صعيد إيصال هذه الخدمات إلى كل المحافظات وضمن حاجات كل منها.

– استعادة الدور السيادي للدولة بالتشغيل والإشراف والمحافظة على البنية التحتية للنقل والكهرباء ومشاريع المياه والصرف الصحي، باعتبارها إضافة إلى التعليم والصحة والسكن، من القطاعات السيادية للدولة، ولا يمكن التهاون أو التفريط بها، وأن تفرض الشروط نفسها على القطاع الخاص والمشترك، والتعاوني، والمستثمرين الأجانب، تلك التي يلتزم بها قطاع الدولة وبالجودة والتكلفة نفسها.

* رابع عشر- النص دستورياً على ربط الأجور بالأسعار، والسعي الدائم لرفع المستوى المعيشي للمواطنين.. تأكيداً لمبدأ العدالة الاجتماعية، التي نطمح أن تحكم الدولة وفق مبادئ الدستور العتيد.

مع الاتفاق مع كل المبادئ الأخرى الواردة في رؤية الحزب الشيوعي السوري الموحد، والتأكيد على ما حُدّد فيها.. بكل الاحترام.

العدد 1107 - 22/5/2024