التعليم بخير.. أي أن المجتمع بخير

 التعلُّم والتعليم ما قبل الجامعي، والجامعي وما بعدهما من التحصيل العلمي العالي، هي الأدوات التي تجعلُ من الإنسان كياناً فعّالاً في مجتمعه ووطنه. وسنطلق مصطلح الدراسة، على كيفية إيصال برامج التعلّم والتعليم إلى طالب العلم.

الدراسة هي من أوائل المؤثرات المكتسبة وأهمها في حياة الإنسان، والتي تعطيه مؤهلاً ليساهم حسب قدرته ومستوى هذا المؤهل، في بناء المجتمع في مختلف قضايا البناء، وفي ترسيخ النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي لهذا المجتمع، وتساهم في تنمية السلوك العام وتناسقه، وبرمجة العلاقات بين الأفراد والجماعات، للوصول إلى التنمية الشاملة للمجتمع والدولة. وبارتقاء مستوى الدراسة ونوعيتها، وطرق التجريب والتدريب والبحث العلمي، يكون المنتجُ الحاصل ذا قيمة ومكانة عالية، وحضارية في تطوير البنى الفوقية، والتحتية للدولة والمجتمع.

إنما من أسوأ المشاكل التي تواجه الطلبة الدارسين، أن لا يكون النظام التعليمي مبنياً على أسس مؤسساتية صحيحة، واضحة وثابتة في قوانينها وجداول العمل بها، حسب النظم العالمية للمدارس والمعاهد والجامعات، كما في دول ومجتمعات العالم المتمدن، بل أن تكون تابعة لأهواء وغايات إدارة فاشلة في مهامها، ويكون لها غايات أخرى، غير التعليم، كغاية التجارة من أجل المنافع المادية الشخصية، والوصول لغايات نفعية يكون فيها الطالب والكتاب الجامعي والامتحانات ونظام التعليم، عبارة عن سلع مادية يصنع منها الجهاز القائم بمهام الهيئة التدريسية والإدارية، بازاراً وسوقاً للمساومة غير الأخلاقية، بأي شكلٍ كانت هذه المساومة.

إن تلك السلوكيات تجعل الطالب يشعر بعدم الثقة بالهيئة التدريسية ونظام الدراسة، فيصل إلى مرحلةٍ من الإحباط وعدم الثقة بالنفس وبالتعليم، ويجد نفسه عرضة لعدد كبير من الأخطاء في طرق التدريس ومناهجه التي غالبا ما تكون بدائية وارتجالية، ومتخلفة أصلاً وغير منظمة، فينتج عنها عدم الثقة بالصرح التعليمي كما يسمى، وبالقائمين على هذا الصرح. تلك الأساليب اللاأخلاقية وغير الصحيحة في إدارة نظم الدراسة، جعلت الطلاب يفقدون الرغبة في التعلّم والبحث العلمي الصحيح، ولم تُبقِ لديهم الرغبة في اكتساب العلم والمعرفة، بل صارت غايتهم هي مجرد الحصول على الشهادة الدراسية، بأي شكل وبأي طريقة، دون التعب في التحضير الجيد لامتحاناتهم، بل يبحثون عن طرق شراء النتائج أو الغش فيها وشراء حلقات البحث الجاهزة ومشاريع التخرج، وتقديمها دون عناء البحث فيها، وأكرر فالمهم هو التخرّج وليس اكتساب العلم، في ظروف عدم صحة التعليم كما يجب أن يكون.

وهذه السلوكيات ستزيد من تخلف المجتمع، لأن هؤلاء الخريجين هم من سيدير دفة العمل في المجتمع والدولة، ولكن مثلما حصلوا على ما يسمى مؤهلاتهم وشهاداتهم العلمية بأساليب غير صحيحة، سيديرون هذه الدفة بأساليب غير صحيحة أيضاً، وللأسف، سينقلون إلى المجتمع البذور الفاسدة التي جمعوها أثناء مراحل الدراسة، تلك البذور التي لن تنتجَ محصولاً صحيحاً. أيضاً، الطالب الذي سيحصل على شهاداته ومؤهلاته في تلك الظروف السيئة، سينقل إلى المجتمع والدولة بذور الأمراض التي أصابته أثناء الخلل في تلقيه العلم، وأثناء ما أصابه للحصول على شهادة التخرّج.

من تلك الأمراض والبذور الفاسدة، وللذكر لا للحصر، عدم تحمّل المسؤولية، سوء الظن بالآخرين، عدم الاهتمام الصحيح بأية مهمة أو عمل يوكل إليه، محاولة التلاعب للحصول على منافع شخصية كما تعلّم سابقاً، الغش، الانتهازية، التسلّط، عدم احترام النظام، الكذب في التعامل، التواكل، عدم الإدارة الصحيحة للأعمال والعلاقات الوظيفية، عدم الاهتمام بالمصالح العامة، عدم إدارة الوقت، وعدم الاهتمام بكيفية الإنتاج، تلك الأمراض التي سيبقى مجتمعنا متخلفاً لإصابته المزمنة بها.

العدد 1105 - 01/5/2024