لماذا يحق لنا ما لا يحق لهم؟

تعتمد المناهج الدراسية ولاسيما المحدّثة منها على التحليل والتركيب، وتقوم على مبدأ أساسي وهو فهم الطالب أو التلميذ واستيعابه لما يُعطى من معلومات، والابتعاد عن الحفظ البصم، ما يستدعي من هذا الطالب أو ذاك التلميذ العمل بشكل جدي وفعلي ليتمكن من التحصيل العلمي الذي ينشده، والمقصود هنا بالعمل الجدي هو أن يقوم الطالب أو التلميذ في مراحل الدراسة ما قبل الجامعية بالبحث والتمحيص وبالتالي الاستنتاج والوصول إلى المعرفة التي تؤهله لنيل الشهادة التي يطمح إليها.          

لكن وللأسف، فإن ما يحدث منذ عدة سنوات تمتد إلى ما قبل الحرب الدائرة حالياً في البلاد، هو أن الطالب الجامعي يعتمد على المكتبات التي تقدم الخدمات الطلابية المتنوعة، ومنها حلقات البحث ومشاريع التخرج، وما عليه إلا ن يذكر مطلبه حتى يلقاه بين يديه جاهزاً كاملاً مُكمّلاً، وبالتالي هو غير معني إلاّ بتقديمه للدكتور المشرف على المادة ونيل العلامة التي يريدها، حتى وإن كان غير عارفٍ بما يحتويه ذلك البحث أو المشروع الذي اشتراه بنقوده من تلك المكتبات.

والحال ذاته ينطبق على التلاميذ أيضاً، فإن المكتبات العامة باتت ملأى بما يسمى المحاليل، والمقصود بها كراسات يتضمن كلٌّ منها حلولاً جاهزةً لكل مادة دراسية، سواء علمية أو أدبية، قام بوضعها بعض المدرسين الاختصاصيين الذين وجدوا بهذا المجال باباً واسعاً للرزق المضاف إلى الراتب الذي هو أساساً غير كافٍ لمعيشة عدة أيام من الشهر، محاولين بذلك تعويض النقص الحاصل في كم المعلومات التي من المفترض أن يحصل التلميذ عليها، ذلك أن تقصير بعض المدرسين في أداء مهمتهم التربوية والتدريسية –  وهذا من قبل الحرب وحتى اليوم- ، إضافةً إلى أعداد التلاميذ الهائلة في الصف الواحد – الناجم عن النزوح المستمر بسبب الحرب الكارثية-  الأمر الذي يقف حائلاً بين المدرس وبين قدرته على إيصال المعلومة بطريقة جيدة وصحيحة، ونضيف إلى ذلك أن غالبية الأهل وجدوا في هذه الكرّاسات راحةً لهم فيعطونها لأبنائهم يأخذون ما يشاؤون منها مبتعدين عن دورهم المكمّل لدور المدرسة والمدرسين في متابعة تحصيل أبنائهم العلمي، مما جعل هذه الظاهرة تتفاقم وتنمو بشكلٍ مخيفٍ لا بل مرعب!

وهذه الكرّاسات غير خاضعةٍ لما يسمى بالرقابة، فكل مدرّس يضع من الحلول أو المعلومات ما يراه هو مناسباً ومتوافقاً مع وجهة نظره، هذا إن لم يكن البعض منها متضمناً أخطاءً كبيرة وكثيرة سواء من الناحية اللغوية أو من الناحية العلمية، يتلقاها التلميذ على أنها الجواب الصحيح لأنه اعتاد على التلقي فقط، وأن كل ما يتلقاه يصنف على أنه صحيح بالمطلق. والحال هكذا، فإن العديد من الأسئلة تطرح في الذهن، منها على سبيل المثال لا الحصر: أين الرقابة من كل هذا، سواء في وزارة التربية أو وزارة التعليم؟…ثم لماذا نعطي لأنفسنا الحق بالحصول على الشهادات بكل مراحلها واختصاصاتها بعد أن تعبنا في الحصول عليها، ونمنع هذا الحق عن أبنائنا والأجيال القادمة التي نربيها على تلقي كل ما هو جاهز وسهل المنال دونما أي تعب أو جهد؟؟

نعم، نحن المسؤولون عن فشل هذه الأجيال في المستقبل، وبالتالي ضياع مجتمعنا الذي من المفترض أن نهضته وتطوره سيقعان على عاتقها، فحين يعتاد المرء على التلقي المستمر والمتواصل بطرقٍ سهلةٍ حكماً لن يكون قادراً على العطاء حينما يطلب منه، لأنه أولاً تعلم على الأخذ الدائم وتعززت لديه الأنانية التي لن تدفعه لأن يعطي حتى بأبسط المجالات، وثانياً، ونظراً لهذا النمط من التربية، فإنه لن يمتلك مفاتيح المعرفة وبالتالي المقدرة على التعامل معها، وكل هذا من شأنه في نهاية المطاف أن يساهم في تزايد التراجع سواء على المستوى التربوي أو على المستوى التعليمي، وإن بقي الحال على ما هو عليه فإن أي تطور تعليمي أو مجتمعي منشود سيكون لا محالة بعيد المنال، وسنبقى نعاني من التبعية المستمرة لدولٍ ربما لا تمتلك مثلنا تلك الطاقات البشرية، إنما جاء تفوقها وتطورها من خلال إدراكها لأهمية وحساسية أهم قطاع في أيّ مجتمع ألا وهو قطاع التعليم بمختلف مراحله.

العدد 1105 - 01/5/2024