وقود الحركة الاجتماعية

للسياسة ثقافتها، وللثقافة سياستها، السياسة والثقافة هما المحركان الأبديان والأزليان للمجتمع، يحركانه صعوداً أو هبوطاً، أو في مسارات متخبطة غير واضحة المعالم، وغير واضحة الغاية من سبب الحركة، وما بين السياسة والثقافة تكثر التجارب للبعض ممن يرى في ذاته، أو ربما يرى الآخرون إن لديه الموهبة والمقدرة في أن يكون قائداً سياسياً أو قائداً ثقافياً، فيخوض في تجاربه بعض المحاولات، هناك من ينجح في تجاربه وهناك من يفشل فيها، وللفاشل والناجح أتباعٌ ومتابعون، وكلّ منهما يظن إن نتائج خبرته وتجاربه هي التي تضع الاتجاهات الصحيحة لحركة المجتمع باتجاه التطور، إنما الكثير من المشاكل تثير الصراع بين ناجح لم يعرف توظيف نجاحه جيداً، وبين فاشل يدعي إنه هو في المسار الصحيح.

 والمشكلة الكبيرة والكارثة للمجتمع، أن تكون لهذا الفاشل موهبة الإقناع فيتبعه الكثيرون للسير عكس التيار الطبيعي للحركة السياسية والثقافية الصحيحة، هنا يكمن الوباء الذي يهدد المجتمع بالكثير من الأمراض والمشاكل والضعف في كل مجالات حركته.

في الواقع العربي كثر العاملون الفاشلون في مجال السياسة، وكثر مدعو الثقافة، وكثرت المشاكل والصراعات لقلة الخبرة وقلة الوعي والإدراك لمبادئ السياسة والثقافة، فلم يستطع الفكر العربي تجاوز مطبَّات التراث والموروث والسلفية والطائفية والعشائرية، لا في سياسته ولا في ثقافته، رغم المحاولات الكثيرة من مدعي حمل راية الفكر للقفز فوقها، إنما بلا قيم ولا مبادئ صحيحة، وظلت محاولات القفز فوق هذه الرواسب مجرد شعارات فارغة أطلقتها كل النظم السياسية والثقافية، إلا إن هذه الشعارات لم تتجاوز الخطابات على المنابر، والكتابة في الأوراق، والصراخ في المهرجانات، وبقيت المسارات بين النظرية والتطبيق دائما في خطوط متوازية لا تلتقي أبداً، تلك الشعارات التي جعلت عقول الأجيال الجديدة تكفر بالثقافة والسياسة، بعد الوقوع لأكثر من مرة، بل لمرات متواصلة، في الحفر المادية والمعنوية والأخلاقية، تلك الحفر التي كانت من آثار التجارب الفاشلة لمن ادعوا إمكانية النهوض بهذا المجتمع، بلا ثقافة ولا سياسة حضارية.

إن وسائل التواصل الحديثة كالهواتف الذكية، والأقمار الفضائية التلفزيونية، والنت، صنعها الغرب لتطوير الفكر والثقافة وتبادل الخبرات والتجارب بين الشعوب، إنما فلنفكر قليلا وبلا معاناة في التفكير، لأن الأمور واضحة جداً كيف وظفها أصحاب القرار السياسي والثقافي العربي، لنقل وترويج الأكاذيب والاتهامات والآراء المسمومة، فبرزت الخلافات الطائفية والعقائدية والسياسية والثقافية في مجتمعاتنا، تلك الخلافات والاختلافات التي أوصلتنا إلى اشتعال الصراعات المستمرة التي نحن بها الآن، والتي على ما يبدو بأنها أبدية الاستمرار في اشتعالها، لأن وقود التخلف العربي الذي يشعل الحرائق دائماً، له قدرة الطاقة النووية، فهو لا ينضب أبداً، لا في المنظور القريب، ولا في المنظور البعيد.

العدد 1107 - 22/5/2024