الانتخابات الرئاسية وقرار الشعب السوري

أنجز السوريون استحقاقهم الرئاسي في الثالث من شهر حزيران، بوصفه قراراً وطنياً بامتياز يمس رأس الدولة، كذلك بنيتها ووظيفتها، وأثار حجم مشاركة الناخبين السوريين المسجلين الكثيفة وغير المسبوقة، في الوطن كما في بلدان الاغتراب واللجوء القسري المؤقت، الناجم عن استمرار الأزمة، أثار دهشة الحلفاء والأصدقاء، وأثار كذلك الامتعاض والاستغراب لدى أعدائها ووكلائهم وأدواتهم.

وأظهر السوريون في استحقاقهم وحجم مشاركتهم موقفهم الوطني في مسألة سورية دستورية، وأكدوا بسلوكهم حرصهم على الوطن واستقلاله، وولاءهم لسورية ونهجها وتوجهها الوطني المستقل.. ورفضهم استمرار الأزمة وتبعاتها، من استمرار سفك الدم السوري، ومسلسل التدمير والتخريب للمتلكات العامة والخاصة، وتمسكهم بإرث سورية التاريخي الثقافي والحضاري، وبالتنوع الديمغرافي الذي حافظت عليه البلاد قروناً عديدة.

قال السوريون كلمتهم في عملية  انتخابية ديمقراطية، جسدت أبسط حقوقهم، وعكست في الوقت نفسه تطلعهم إلى غد آمن ومستقر، لا إرهاب فيه ولا وقتل، والسير بالبلاد على طريق الديمقراطية التعددية والإصلاح والتطوير، وكذلك رفضهم الضغوط الميدانية الإرهابية أو الإقليمية والدولية، للمساومة على هذه الحقوق أو التفاوض حولها والمقامرة بها.

وفي الوقت الذي شنت فيه الولايات المتحدة والدوائر (الغربية)  ودول لافتات الديمقراطية وحقوق الرأي والتعبير.. إلخ مسبقاً هجوماً وانتقاداً لإجراء هذا الاستحقاق، ووصفته بأنه عرقلة للجهود الرامية إلى الوصول لحل سياسي للأزمة السورية، فإنها تجاهلت عن قصد، تشدقها بالديمقراطية والسيادة الوطنية، التي تشكل الانتخابات وصناديق الاقتراع ونتائجها أولى أبجدياتها.

أما (الائتلافيون) وما يمثلونه خارج الوطن، رغم إقرار العديد من رموزهم بواقعهم الحالي وهامشيتهم في مجريات الأزمة السورية وتطوراتها، فقد أعلنوا أن الانتخابات الرئاسية وما تمثله طبعاً، غير شرعية، وأنهم لا يعترفون بنتائجها، وسيواصلون (الثورة) حتى تحقيق أهدافها!

وأما مفهوم الشرعية ومن يمنحها، والديمقراطية وتجلياتها، والانتخابات وصناديق الاقتراع وموقف الشارع والجماهير وقواها الحية، فهي أمور مازالت تحتل زوراً ونفاقاً صدارة لافتاتهم العتيدة، وهي بعيدة كل البعد عن الحقائق الدامغة، وعن الوقائع وتطوراتها، وعن سورية عموماً.

وأما المجموعات الإرهابية المسلحة فقد فشلت تهديداتها بمنع الاستحقاق، وظهرت عاجزة أمام هذا الموقف الشعبي من الاستحقاق الرئاسي وحجم المشاركة فيه، وأنها مجموعات مرفوضة من قبل الشارع السوري أيضاً.

ينظر السوريون إلى الاستحقاق الرئاسي، على أهميته الوطنية، ومغزاه ومدلولاته، بوصفه خطوة كبيرة هامة ومفصلية في سياق العديد من  الخطوات التي أقرتها الدولة، فهذا الاستحقاق يأتي بعيد الاستفتاء الشعبي على الدستور عام ،2012 وبعيد المبادرة الرئاسية، ثم الخطة الحكومية في كانون الثاني عام 2013 بمراحلها الثلاث، من وقف الإرهاب وتجفيف منابعه، إلى  الحوار والميثاق الوطني والدستور والحكومة الموسعة، مروراً بإجراء الانتخابات البرلمانية ومؤتمر المصالحة الوطنية.. إلخ من النقاط التي تضمنها.

يريد السوريون من هذه المحطات الهامة مواصلة طريقهم نحو إنهاء الأزمة وسنواتها العجاف، والخلاص من تبعاتها على الوطن والمواطن، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، كما يريد السوريون إعادة بناء سورية الجديدة وإعمارها، دولة ديمقراطية تعددية عصرية، تحفظ حق المواطن الفرد وحريته وكرامته، وتحافظ على استقلالية البلاد وتوجهها الوطني الحريص على دورها وسياساتها وعلاقاتها وتحالفاتها، التي تكرست مجدداً خلال سنوات الأزمة ومآسيها، وشاركوا بكثافة غير مسبوقة تنفيذاً لواجبهم الوطني، وتأكيداً وتعبيراً عن استعدادهم مواصلة الطريق الصعب الاضطراري في مواجهة التدخل في شؤونهم الداخلية والسيادية.

كما جاءت مشاركتهم تعبيراً واضحاً لا لبس فيه، عن إدراكهم للمرحلة وصعوباتها وتعقيداتها، وكيفية حل الأزمة على قاعدة الحفاظ على سورية دولة موحدة، وعلى بنيتها الوطنية، من رئيسها إلى عموم هيئاتها ومؤسساتها، وعلى وظيفتها كدولة، وعلى توجهها الوطني الديمقراطي المستقل.

الاستحقاق الرئاسي، الذي أنجز بنجاح باهر، هو خطوة مفصلية تقطع الطريق على التشكيك في خيارات الشعب، وإرادته الوطنية الحرة المستقلة، كذلك تطلعاته نحو سورية الأفضل، وطناً وكياناً لكل أبنائها المخلصين، ونتائجه ستفرض نفسها على الأوضاع الداخلية، وعلى الدول المنشغلة بالأزمة السورية عربياً وإقليمياً ودولياً.

 

العدد 1105 - 01/5/2024