اقتصاد العنف.. الأسباب والنتائج

تعدُّ الأزمات مصنعاً إنتاجياً لاقتصاد العنف، وبيدراً واسعاً لمفرزاتها الاجتماعية والنفسية والمعيشية والسلوكية وغيرها. وكما أن الثقافة تعددت هوياتها وتسمياتها ومصطلحاتها، كذلك خلَّفت الأزمات التي تطحن عشرات الدول، ومن بينها الأقطار العربية، مصطلحات اقتصادية توقف عند أسبابها ونتائجها ومدلولاتها العديد من المفكرين والباحثين.

ومن التسميات التي اتخذها هذا النوع من الاقتصاد (اقتصاد التطهير العرقي، واقتصاد العنف الاجتماعي، والعنف ضد المرأة وغيرها).

ويرى بعض الباحثين أن العنف هو سبب رئيس لإنتاج هذا النوع من الاقتصادات، وأن العنف يرافق الفقر. ويصبح تأثير العنف أسوأ في الدول الفقيرة، ويجعلها أشدّ فقراً.

ويبيّن تقرير التنمية العالمي، أن العنف ليس السبب الوحيد للفقر، ولكنه يعدُّ السبب الرئيس بين أسباب كثيرة. وهناك عشرات الأمثلة ومنها ما يجري في سورية منذ ما يزيد على ثلاث سنوات.. وقد أدى العنف والإرهاب الذي يمارسه المسلحون ضد الفلاحين والمواطنين إلى عدم جني المحاصيل الزراعية، ما أدى إلى تناقص المساحات المزروعة وهجرة الفلاحين وارتفاع الأسعار وتهجير المواطنين.

 ويشير التقرير إلى أن ملياراً ونصف مليار شخص يعيشون الآن في دول تتأثر بالعنف السياسي والجريمة المنظمة ومعدلات قتل عالية. وبلغ عدد الدول التي عانت الحروب الأهلية 39 دولة بين عامي 2000 و2013 .

لقد حصد العنف المعاناة والمآسي والفقر والجوع للبشر، وشكل ما يسمى بـ (اقتصادات العنف). وأدت هذه الاقتصادات إلى نقص المواد والسلع، وقلة العرض والطلب وارتفاع جنوني للأسعار ومضاعفتها ثلاث أو أربع مرات.

وكذلك من النتائج، سوء التغذية وانخفاض نسبة الملتحقين بالمدارس، وارتفاع نسبة البطالة ارتفاعاً كبيراً بين الشباب، خاصة من خريجي المعاهد والجامعات. وكشفت الدراسات أن عدد العاطلين من العمل يشكلون خُمس عدد المشاركين في أعمال التمرد، بينما العشر هم من الذين ينضمّون إلى العصابات الإرهابية التي تنفذ أعمال القتل والخطف والعنف بشكل عام بدوافع دينية.

تتعدد الأسباب والأهداف واحدة.. ويضاف إلى القتل والذبح على الهوية والسرقة والابتزاز والتخريب والنهب والخطف والفدية، أسباب رئيسة لنمو اقتصادات العنف، منها: تجارة السلاح وفتح أسواق خاصة بها في المناطق التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة الإرهابية. وبدأت هذه الاقتصادات تنتعش وتتطور، وتشكل البدائل في بعض الدول عن القطاعات الاقتصادية الرسمية، بعد تدمير القطاع العام المنظم وتوسع القطاع غير المنظم وانتشار السوق السوداء. فالخسائر الناجمة عن العنف في سورية لغاية 2012 بلغت أكثر من 48 مليار دولار، أي أكثر من 80 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2010 ، وخسارة أكثر من  5,1 مليون فرصة عمل.

وهناك من يرش على الموت سكراً، أو يصب البنزين على الحرائق ليزيدها اشتعالاً بدلاً من إطفائها..! فالبعض (الذين يدّعون الغيرة على الاقتصاد الوطني ومصالح الفقراء) يتصورون في مخيلاتهم أنهم يؤلفون نظريات في الاقتصاد والتفكير للحصول على (جائزة نوبل).

يقول أحدهم: (إن الفقراء يجب أن يبقوا فقراء لكي يجدّوا ويعملوا. وقد حضروا إلى مائدة توزيع الدخل ولم يدعوا إليها). ولم ينظر هؤلاء إلى أن دوائر اقتصادات العنف الصغيرة بدأت تكبر وتتطور وتتوسع إلى دوائر اقتصادية منافسة ومستقلة مالياً. ولم ينظر هؤلاء أيضاً إلى أن الجماعات الإرهابية أصبحت تملك الخبرات، وأنها تستخدم الغطاء السياسي وتتقمَّص الخطاب الإعلامي، وتظهر بأنها غيورة على الوطن والشعب والفقراء.. كل هذا الذي يجري تحت الأقنعة هو محاولات لتأمين فرصة للحصول على الحماية القانونية.

لقد حدد العالم الاقتصادي (كارل بيكر) لاقتصادات العنف أربعة عوامل رئيسة هي:

1 – سهولة أو صعوبة ارتكاب الجريمة 2 – حجم العائدات من الجريمة الذي يكون مشجعاً أو محفزاً على ارتكابها 3 – إمكانية تحقيق العقاب.. وحين يرى الناس مسؤولاً ارتكب جريمة فساد ولم يعاقب، فقد يشجع هذا آخرين على ممارسة الفساد 4 – قسوة العقاب المترتبة على ارتكاب الجريمة. فكلما كان العقاب أقسى انخفضت احتمالية ارتكاب الجريمة والعكس صحيح.

يا لها من مفارقات حادة وعميقة .. فكلما ازدادت نسبة البطالة أو الفقر مع تراجع النشاط الاقتصادي، ارتفعت وتيرة العنف في المجتمع..؟!

العدد 1105 - 01/5/2024