سؤال برسم المؤسسة الكيميائية: أيهما أفضل: التخلي أم تدارك الصعوبات؟الأوضاع الإنتاجية والتسويقية المت

جاء في تقرير تتبُّع التنفيذ عن النصف الأول من العام الجاري الصادر عن المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية: أن المؤسسة ستتخلى تدريجياً عن صناعة الأحذية، لأنها خاسرة، إضافة إلى شركة الدباغة بدمشق. وجاء في التقرير أيضاً: أن شركة الأحذية أنتجت خلال النصف الأول من العام الجاري ما يقارب قيمته  226 مليون ليرة، في حين قدرت مبيعات الشركة بـ 215 مليون ليرة. وكانت المؤسسة الكيميائية أنتجت ما قيمته 4.853 مليارات ليرة، بنسبة بلغت 51% من الخطة الإنتاجية للفترة نفسها والتي بلغت 9.497 مليارات ليرة. ومن الأسباب التي أدت إلى تراجع  أرقام الإنتاج والمبيعات، وعدم تحقيق أرقام متقدمة من الخطط الموضوعة وفق التقرير، الأوضاع المتردية إنتاجياً وتسويقياً لشركتَيْ الأحذية والدباغة.

وهنا لا بد من الوقوف عند نقطة هامة هي: التخلي عن الشركات الإنتاجية لأنها تعاني أوضاعاً متردية إنتاجياً وتسويقياً، لذا نسأل: ماذا سيحل بالشركات وبمعاملها وعمالها؟ ولماذا لا نعمل على تجاوز الصعوبات التي تواجه عمل الشركات؟

وهنا سنستعرض بعض الحقائق عن الشركة العامة لصناعة الأحذية مثلاً، فقد حققت الشركة في العام الماضي، وفق تقارير إعلامية نشرت على لسان بعض مديري المؤسسة الكيميائية، ربحاً يقدر بـ  211.850 مليوناً. أما في عام 2010 فقد أنتجت الشركة ما لا يقل عن 450 ألف زوج من جميع الأصناف. وتضم الشركة أربعة معامل موزعة على عدة محافظات ومناطق، إذ توجد معامل في السويداء والنبك ومصياف ودرعا، بعدد عاملين يبلغ 700 عامل وإداري. إضافة إلى أن الشركة تنتج جميع أنواع الأحذية من مدني وعسكري وحذاء الأمن الصناعي كما أن جميع المواد الأولية الخاصة بصناعة الأحذية متوفرة محلياً. وبالطبع فإن شركة الأحذية تكمل عمل شركة الدباغة، فهي تستجر من شركة الدباغة الجلد البقري اللازم لصناعة الحذاء. وفي حال إيقاف شركة الدباغة فإن شركة الأحذية ستواجه صعوبة في نسبة المواد التي كانت تستجرها من الدباغة سابقاً.
ونشير أيضاً إلى أن الشركة العامة لصناعة الأحذية حققت أرباحاً في عام 2010 بلغت  أكثر من 21.5 مليون ليرة سورية. مع العلم أن الشركة كانت خاسرة بامتياز في السنوات السابقة، إلاّ أنها استعادت موضع قدمها على مسيرة الربح في السنتين الماضيتين.

أما الصعوبات التي تواجه عمل الشركة، فهي تتمثل بقِدَم الآلات، وعدم تطوير خبرات العمال فهذه الصناعة حرفية بالدرجة الأولى. وكل مرحلة من مراحل إنتاج الحذاء تحتاج إلى حرفية، عدا طبيعة شراء المواد الأولية. فما دامت عملية الشراء تتم عن طريق المناقصات فإن هذا الأمر سيؤدي إلى زيادة كبيرة في سعر المواد الأولية، والشركة وفقاً للأنظمة والقوانين مضطرة لشراء المواد الأولية بسعر أدنى، وهنا لابد من تأكيد أهمية منح الشركة صلاحية الشراء المباشر  للمواد الأولية، إضافة إلى النقص الشديد في الأيدي العاملة الخبيرة.

وهكذا يتضح لنا أن الشركة تضم كادراً كبيراً من العمال، وفي حال إغلاقها فإن هذه العمالة بالطبع ستذهب إما إلى شركات أخرى لن تستطيع الإنتاج فيها لاختلاف طبيعة العمل، أو أنها ستحوَّل إلى العمل الإداري الذي لا يقدم شيئاً على صعيد الإنتاج. وخاصة أن معظم الشركات والمؤسسات الحكومية تعاني فائضاً إدارياً. كما نجد أن الشركة تمتلك أربعة معامل، واستطاعت تحقيق أرباح في عام 2010 رغم كل الصعوبات المزمنة  التي تواجهها. لذا فإن فكرة التخلي عن الشركة العامة لصناعة الأحذية وإغلاقها أو عرضها على القطاع الخاص للاستثمار هي فكرة غير صائبة، لأن الشركة حققت أرباحاً كما ذكرنا سابقاً. ويمكن أن تبقى على طريق الربح في حال تداركنا جميع الصعوبات المذكورة، التي لا يعدُّ حلُّها أمراً مستحيلاً.

وهنا نسأل: لماذا لا نتدارك مشكلات الشركة؟ ولماذا لا نزوّدها بأيدٍ عاملة خبيرة في صناعة الأحذية؟ ولماذا لا نجدِّد الآلات القديمة؟ ولماذا لا تمنح إدارة الشركة المرونة الكافية في شراء المواد الأولية، كما هو حال القطاع الخاص؟ ولماذا لا تزوَّد الشركة بقوالب جديدة لصناعة الأحذية؟ هل ينفَّذ قرار الحصر في بيع منتج القطاع العام يبن المؤسسات العامة؟ ولماذا تنجح ورشات القطاع الخاص ومعامله، في حين شركة تمتلك أربعة معامل تخسر؟ وعلى من يقع لوم الخسارة: أعلى الجهات المشرفة، أم على الجهات التنفيذية للعمل، أم على كلتيهما معاً؟ والسؤال الذي يطرح نفسه: في حال أغلقت الشركة، فهل ستتجه وزارة الصناعة إلى القطاع الخاص لتأمين الأحذية لموظفيها؟ وهل ستكون الأحذية البديلة بالجودة نفسها لما تنتجه الشركة؟ وكم سيرصد لها من الميزانيات؟

نهاية القول: إننا نؤكد أهمية تجاوز عقبات هذه الشركة وصعوباتها، فهي تمتلك القدرة والمقومات على الاستمرار والعمل، ونؤكد أنه في حال تجاوزت صعوباتها فإنها ستكون منافساً قوياً في السوق الداخلي والخارجي أيضاً.

يشار إلى أن المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية أحدثت عام 1975 للإشراف على شركات القطاع العام الصناعي العاملة في مجال الصناعات الكيميائية، والتنسيق فيما بينها بهدف النهوض بالصناعة الكيميائية القائمة كماً ونوعاً، وإقامة مشاريع التوسع لتغطية حاجة السوق المحلية من المنتجات الكيميائية وتصدير ما يمكن منها إلى خارج القطر.

العدد 1105 - 01/5/2024