هل ينجح الاقتصاد الأخضر في إنقاذ الأرض؟!

كان اللون الأسود من أشهر ألوان الاقتصاد حتى وقت قريب، ولكنه اقتصاد جائر يسيء للبيئة، ويؤدي لهدر الموارد على المستوى المستدام، إذ يسوده الجشع والطمع والسباق لزيادة الثروة دون الأخذ بالحسبان معايير البيئة النظيفة والتنمية المستدامة. ولكن في السنوات الأخيرة بدأ يبرز الاقتصاد الأخضر منافساً قوياً للون الأسود، فهو يعد اقتصاداً نظيفاً، يعتمد على التنمية الخضراء، لاستخدامه الموارد والطاقات استخداماً أمثل، إذ إنه لا ينتج بشكل جائر وإنما بشكل يوائم البيئة ويحافظ عليها دون أي مساهمة في خلق انبعاثات تؤثر سلباً على البيئة والإنسان، وذلك بعد عقود من تدمير البيئة عن طريق الاقتصاد الأسود المبني على التنمية الملوثة للبيئة.

ففي ظل الأزمات الاقتصاد التي تسببت بها الأنظمة الرأسمالية، والتي عانت البشرية بسببها ويلات كبرى. برز الاقتصاد الأخضر بوصفه أحد الأنشطة الاقتصادية التي تسعى لرفاه الإنسان وتقليص الفوارق الاجتماعية على المدى الطويل، وكذلك إلى التخفيف من احتمالات تعرُّض أجيال المستقبل لمخاطر تدهور النظم البيئية ونضوب الموارد الإيكولوجية، من دون أن تتعرض الأجيال القادمة إلى مخاطر بيئية، وذلك لمكانته الهامة في القضاء على الفقر وتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز قاعدة الموارد الطبيعية وزيادة كفاءة استخدام الموارد وتشجيع أنماط الإنتاج والاستهلاك المستدامة والتحرك نحو تحقيق التنمية النظيفة وضمان الإدارة السليمة للمياه.

وتحدد الأمم المتحدة الاقتصاد الأخضر بأنه اقتصاد يشهد ترابطاً بين الاقتصاد والمجتمع والبيئة، وتحولاً في عمليات الإنتاج وأنماط الإنتاج والاستهلاك يؤدي إلى تنشيط الاقتصاد وتنويعه،وخلق فرص العمل اللائق، وتعزيز التجارة المستدامة، والحد من الفقر، وتحقيق الإنصاف، وتحسين وتوزيع الدخل.

وفي الأعوام الأخيرة انتقل مفهوم التنمية المستدامة من نهجٍ محوره يرتكز على البيئة حيث التركيز على الاعتبارات البيئية، إلى نموذج يشترط تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بأنشطة غير ملوثة أو قليلة التلوث، تركز على كفاءة استخدام الموارد لحماية التنوع البيولوجي وخدمات النظام البيئي. وهذا النهج ضروري لحماية البيئة، لا بل هو السبيل الوحيد لتحويل الاقتصاد إلى أنشطة تخلق فرص العمل وتشمل جميع فئات المجتمع.

تحديات كبيرة:

– تحول الوظائف من قطاعات إلى أخرى: زيادة وظائف في قطاعات معينة يقابلها تراجع في عدد الوظائف في قطاعات أخرى، خاصة في المرحلة الانتقالية.

– تفاوت الفرص من بلد إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى، ومن قطاع إلى آخر.

– إمكان نشوء سياسات حماية، وحواجز فنية إضافية أمام التجارة.

– خيار مكلف قد لا ينتج عنه فوز تلقائي ومتساوٍ على الصعيدين الاقتصادي والبيئي، وقد يكون ذلك على حساب تحقيق أهداف إنمائية أخرى.

– يعد الاقتصاد الأخضر وسيلةً لتحقيق التنمية المستدامة، ولكن بالنسبة إلى العديد من البلدان النامية لا تزال مكافحة الفقر وتوفير احتياجات الإنسان الأساسية من بين الأوليات، وهناك مخاوف من أن يكون الاقتصاد الأخضر مجرد مجموعة من الشروط الجديدة تعوق مسيرة هذه البلدان نحو التنمية.

– صعوبة تعبئة الإرادة السياسية لجعل التنمية المستدامة حقيقة واقعة، فيجب تضافر الجهود لتحقيق تعاون دولي حقيقي.

منافع برسم التنفيذ:

يمكن أن تؤدي النقلة إلى الاقتصاد الأخضر إلى تخفيض ملحوظ في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ففي المخطط التصوري الاستثماري، الذي يستثمر فيه ما نسبته 2% من الناتج المحلي الإجمالي في قطاعات رئيسية من الاقتصاد الأخضر، يخصص أكثر من نصف مقدار ذلك الاستثمار لزيادة كفاءة استخدام الطاقة وتوسيع إنتاج واستخدام مواردها المتجددة. وبضمن ذلك الجيل الثاني من الوقود الحيوي، ما يؤدي لخفض بحدود 36% في كثافة استخدام الطاقة على الصعيد العالمي، تقاس بملايين الأطنان من معادل النفط في كل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2030.

وفي المخطط التصوري الاستثماري، من شأن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ذات الصلة بالطاقة أن ينخفض حجمها من 30.6 جيغا طن في عام 2010 إلى 20.0 جيغا طن في عام 2050. ولذلك فإن الاستثمار في الاقتصاد المنخفض انبعاثات الكربون ينطوي على إمكانات كبيرة لمواجهة التحديات التي يفرزها تغير المناخ. مع أن من الضروري القيام باستثمارات إضافية واتخاذ تدابير في إطار السياسات العامة من أجل الحد من تركزات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى 450 جزءاً من المليون أو أقل من ذلك.

– الاستفادة من خدمات النظم الإيكولوجية بالقيام بمبادرات ترمي إلى إدارة الطلب على الخدمات المستفادة من هذه النظم. على أن تكملها استثمارات من أجل تعزيز عرض تلك الخدمات وتوريدها طوال الفترة من الأجل المتوسط إلى الأجل الطويل. فمثلاً اتباع أسلوب لإدارة الحراج في العالم واستدامتها يمكن أن يؤدي إلى زيادتها، مما يسهم في زيادة خصوبة التربة وتوافر المياه وخدمات تخزين انبعاثات الكربون. وعلاوة على ذلك، فإن تحسين كفاءة استخدام المياه يخفض بقدر كبير استهلاكها، كما أن تحسين إدارة الإمداد بالمياه وسبل الحصول عليها يمكن أن يساعد في الحفاظ على المياه الجوفية والمياه السطحية. وكذلك فإن الزراعة المستدامة يمكن أن تؤدي إلى رفع مستوى الإنتاج وتحسين خصوبة التربة والحد من إزالة الحراج واستخدام المياه العذبة.

– يساهم الاقتصاد الأخضر في تلبية الحاجيات السوسيو-اقتصادية والبيئية الملحة، التي تقلص من استيراد الطاقات الأحفورية، وعقلنة استهلاك الطاقة، والتخفيف من التدهور البيئي، وذلك بوضع نموذج للتنمية المستدامة، يرتكز على تغيير سلوكيات المواطن والمستهلك وعادات السوق.

– يعد التحول نحو الاقتصاد الأخضر أو التنمية الخضراء فرصة هامة وعاملاً مساعداً على تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، فهو يركز على استثمارات في الأصول البيئية والإنتاج الأنظف والطاقة المتجددة والبناء المستدام الذي يركز على مجالات التكنولوجيا الأنظف والطاقات المتجددة والإدارة المتكاملة للنفايات والمياه. وفي الوقت نفسه استخدام الأصول الطبيعية استخداماً مستداماً وصونها.

– يساعد نهج الاقتصاد الأخضر على رسم إطار مؤسسي للتنمية المستدامة، إذ لابد من اعتماد نهج المشاركة في التنمية. ولا يمكن تحقيق الاقتصاد الأخضر إلا من خلال رؤية مشتركة، تشجع الإبداع، وتحظى بدعم واسع من مختلف عناصر المجتمع، أي الحكومات، وهيئات القطاع الخاص، والمؤسسات المالية والإنمائية المتعددة الأطراف، والمستهلكين.

كلمة لابد منها:

في الوقت الذي يسارع زعماء الدول الغنية في إطلاق شعارات (الاقتصاد الأخضر)، تشتد نداءات الدول النامية والفقيرة للقيام بتحرك سريع من أجل إنقاذ كوكبنا وتقليص حالات عدم المساواة في عالمنا. فالدول الغنية التي تشكل 20% من شعوب الأرض تستنزف 80% من ثروات المعمورة، وتنتج 60% من الانبعاثات الضارة بالبيئة. في حين أن الدول الفقيرة التي تشكل 40% من شعوب الأرض، تستهلك 6% من ثروات المعمورة وتنتج 1% فقط من هذه الانبعاثات.

وينظر الكثيرون إلى الاقتصاد الأخضر على أنه نوع جديد لإبراز التفاوت بين الدول الغنية والدول النامية والفقيرة. فالدول الغنية تهدف إلى ربط العلاقة بين البيئة والتنمية، وبين التجارة والمنافسة، وبين تنقُّل العمالة ونقل التقنية، وبين إنتاج وتسويق الطاقة ورسوم الكربون الضريبية. بينما تنادي الشعوب النامية والفقيرة بضرورة تكافؤ الفرص بين الحقوق والواجبات، وعدم استنزاف الموارد الطبيعية على حساب التقنية وتخفيض معدلات التلوث البيئي في الدول الصناعية.

والغريب هنا أن الدول الرأسمالية التي تراعي المعايير البيئية في بلادها تضرب عرض الحائط بهذه المعايير حين تلجأ شركاتها المتعددة الجنسية باستنزاف جائر لكل ما هو أخضر في البلدان النامية والفقيرة.

كل ذلك في الوقت الذي تواجه الأرض تحديات عديدة، منها النمو الديموغرافي، إذ تشير التوقعات إلى أن 49 دولة من الدول النامية ستشهد نمواً سكانياً بمعدل 300%. وهنالك أيضاً الفقر وسوء التغذية وضعف الموارد المائية وازدياد رقعة التصحر. إلا أن التغيُّر المناخي ما زال يشكل أهم التحديات، بسبب انبعاث ثاني أكسيد الكربون والغازات التي تساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري، فقد ارتفع معدل ثاني أكسيد الكربون من 280 إلى 360 جزءاً في المليون خلال القرن الماضي، ويتوقع أن يبلغ هذا المعدل 500 إلى 1000 جزء في المليون في عام 2100، مما سيؤدي إلى ارتفاع في معدل درجات الحرارة بنسب غير مسبوقة.

ويبقى السؤال الأبرز: هل ينجح الاقتصاد الأخضر في إنقاذ كوكب الأرض؟!

مراجع:

United Nations Environment Programme (UNEP), 2010, Green Economy Report: A Preview.

الاقتصاد الأخضر في سياق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر: المبادئ والفرص والتحديات في المنطقة العربية، العدد الأول لاستعراض الإنتاجية وأنشطة التنمية المستدامة في منطقة الإسكوا، نيويورك 2011.

مفاهيم ومبادئ الاقتصاد الأخضر، الإطار المفاهيمي، الجهود العالمية وقصص النجاح، رُلى مجدلاني – إدارة التنمية المستدامة والإنتاجية، الإسكوا 2010.

العدد 1105 - 01/5/2024