نصف المشكلات في الإنتاج ونصفها الآخر في النقل

يمثل قطاع النقل عنصراً هاماً بالنسبة للاقتصاد والتجارة لاعتمادهما على نقل الأشخاص والبضائع، ويعد العصب الحساس في الكيان الاقتصادي والاجتماعي على مستوى البلاد باعتباره الوسيلة الفاعلة في تحقيق الاتصال المستمر بين النقاط المختلفة للعملية الاقتصادية والإنتاجية المتمثلة بمواجهة التوسع الأفقي للمدن وتقليص المسافات بين المنتج والمستهلك، بما يمثله من اختصار لعامل الزمن، أو لنقل الأيدي العاملة إلى المواقع التي تكون فيها أكثر تأثيراً في العملية الإنتاجية لتحقيق الاستثمار الأفضل لهذه الطاقات البشرية. بل إن نطاقاً عريضاً من الخدمات لا يمكن أن يُنجز دون هذه الخدمة، ولذلك فقد شهد قطاع النقل من الاهتمام والتطور ما هو بالشيء الكثير.

وتؤثر وسائل النقل تأثيراً كبيراً في قدرة الأشخاص على رفع أسعار السلع التي تنقلها هذه الوسائل، إذ تدخل تكاليف النقل في أسعار بيع السلع، وكذلك تؤثر تكاليف نقل المواد الخام والسلع الوسيطة في أسعار بيع المنتجات النهائية، وهذا يبرز الدور الكبير الذي يلعبه قطاع النقل في دائرتي الإنتاج والتوزيع في المجتمع.

ويشكل النقل الطرقي عصب الحياة الاقتصادية في مجال النقل بسورية، ويستأثر بالحصة الأكبر من بين أنواع النقل الأخرى، ولكنه يتأثر مباشرة بأي أحداث أو إرباكات من أي نوع، فمنذ تطور الأزمة السورية بلغت القيمة التقديرية للأضرار التي لحقت بالكوادر البشرية العاملة أو البنى التحتية والآليات خلال النصف الأول من عام 2012 في قطاع النقل 613,524,758 ليرة سورية، موزعة ما بين النقل البري والبحري والجوي. إضافة إلى فاقد نقل الركاب والبضائع نتيجة التوقف شبه التام لحركة النقل في بعض المناطق، وذلك نتيجة تدهور الوضع الأمني الذي يشكل الشرط الرئيسي للنشاط الاقتصادي، بسبب ازدياد حدة ونطاق العنف في عدة مدن ومناطق سورية، وما رافق ذلك من تخريب شبكات الكهرباء وخطوط نقل النفط والسكك الحديدية وعدد من الطرق الدولية والمحورية. وأثر تأثيراً كبيراً على انسياب حركة النقل والإنتاج والتوزيع والطاقة في تلك المناطق، وكذلك المناطق المرتبطة بها إنتاجياً وتسويقياً، وإعاقة وصول العمال والفلاحين والموظفين إلى أماكن عملهم ومصدر رزقهم.

فأصبح عامل توفير الأمن والأمان أولية وهاجساً لدى مختلف شرائح المجتمع السوري، خاصة على الطرق الدولية وبين المحافظات السورية، بسبب عزوف الكثير من المواطنين خلال الفترة الماضية عن السفر عبر هذه الطرق، مما دفع الكثيرين للجوء إلى النقل الجوي، الأمر الذي شكل ضغطاً كبيراً على الرحلات الداخلية، بسبب هواجس الخوف من حوادث الطرق العامة التي تكررت عليها عمليات الخطف والقتل والإرهاب.

هذا الوضع الأمني المتردي انعكس سلباً على الوضع الاقتصادي الذي نتج عنه، على سبيل المثال، صعوبة جني المحاصيل الزراعية ونقلها وتوفر مستلزماتها والعناية بها في المناطق المتأزمة، كذلك صعوبة نقل صهاريج المحروقات. فقد اعتُدي عليها أكثر من مرة، الأمر الذي كان له نتائج سلبية على العملية الإنتاجية ممثلاً بالتأخير الحاصل في وصول البضائع في أوقاتها المحددة أو ارتفاع التكاليف المتحققة على البضائع المنقولة. ناهيك بأهمية تكلفة النقل وانعكاسها على أسعار السلع وعلى حركة التجارة بشكل عام، سواء الداخلية أو الخارجية. ومن جهة أخرى أثر واقع النقل المتردي على قطاع السياحة الداخلية والخارجية بأنواعهما المختلفة الدينية أو العلاجية أو السياحية وغيرها، وذلك لعزوف المسافرين عن القدوم إلى سورية بعد عدد من الجرائم التي ارتكبت على طرقات دولية.

فدعم الزراعة والصناعة ضمن توجه الحكومة الحالية غير كاف، إن لم يكن متماشياً مع تأمين الطرقات وحمايتها وإخلائها من العناصر الإرهابية التي تقوم بقطعها ووضع الكمائن لإعاقة وصول أي إمدادات إلى المدن نتيجة أعمالها التخريبية بحق المواطنين، من قتل وخطف وتدمير لمنازلهم ومزارعهم وممتلكاتهم الخاصة وتشريدهم عن مناطقهم.

ويجب العمل بأقصى ما يمكن على تأمين المنشآت الاقتصادية، وتكثيف الدوريات الأمنية، ومكافحة الظواهر السلبية والسلوكيات المخلة بالأمن والاستقرار ومحاربة الجريمة والتصدي للعناصر الإرهابية والتخريبية، من أجل منع قطع الطرق للحفاظ على المصالح الاقتصادية، لتسهيل انسياب البضائع إلى الأسواق، واعتبار البنية التحتية ومنظومات النقل كشريان حياة لتأمين الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية في القطر.

العدد 1107 - 22/5/2024