مياه قرية ذكير.. بين تصريحات متذبذبة وتحليل واقعي

يبدو أن الأزمة أصبحت تقلق المناطق الآمنة في قوتها اليومي ومتطلبات حياتها واستمرارها، وذلك حينما تتبدل تصريحات الجهات ذات الاختصاص بين الفينة والأخرى، حول مياه صالحة للاستخدام البشري وغير صالحة وملوثة، وبالتالي الذهاب في دوامة التصريحات والتحليل وأيهما يؤخذ به  لا نعلم؟

تلقى مكتب جريدة (النور) شكوى من أهالي قرية ذكير مفادها أنهم بحاجة إلى مياه الشرب المتداولة وهي غير صالحة للشرب بعد تعطل محطة تحليل المياه في تلك القرية، وجاءت تصريحات من عدة جهات تؤكد أن المياه ملوثة وغير صالحة للاستخدام البشري أي للشرب، وقد ورد ذلك على ألسنة أهالي القرية منهم (س. ذ) وكثيرون غيره، الأمر الذي دفع بنا إلى الاتصال هاتفياً مع إحدى الجهات المعنية (وحدة مياه شهبا) التي صرحت أن المياه ملوثة.

حملنا تلك الشكوى إلى المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي بالسويداء التي أكد مديرها العام المهندس بسام أبو علوان أن أهالي قرية ذكير أكدوا بطلباتهم ضرورة توفير المياه مهما كان وضعها الصحي بهدف استخدامها للأغراض المنزلية، إلا أننا رفضنا ذلك حتى يتم التأكد من إمكانية مياه بير القرية بمطابقته للمواصفات القياسية السورية، وتم ذلك بموجب التقرير الصادر عن المؤسسة بتاريخ 5 أيار 2014 والذي تضمن أن المياه مطابقة للمواصفات القياسية وفق التحليل الذي قامت به المؤسسة.

وعلى صعيد المحافظة أشار المهندس بسام أبو علوان أن مصادر مياه بالمحافظة هي الآبار الجوفية التي عددها بحدود 300 بئر، منتشرة على ساحة المحافظة، وهي تعمل على الكهرباء ونتيجة انقطاع التيار الكهربائي بفترة زمنية طويلة أدى ذلك لخلق أزمة مياه، خاصة أن السدود والينابيع والآبار سطحية وجميعها تخلو من المياه نتيجة انحباس الأمطار خلال موسم الشتاء الماضي، والمؤسسة اتخذت مجموعة من التدابير بالتنسيق مع المحافظة وشركة الكهرباء لتغذية الخلايا الكهربائية التي تغذي آبار مدينة السويداء على مدار الساعة، وزيادة عدد ساعات تشغيل الكهرباء للخلايا التي تغذي الآبار التي تخدم مدينة صلخد وآبار قرية خازمة التي تغذي مجموعة القرى الحدودية حيث تستجر مياها من سد جبل العرب الذي نفذ مخزونه منذ خمسة أشهر، وزيادة عدد ساعات الضخ لآبار عتيل التي تغذي قرى قنوات ومفعلة، وتركيب مجموعتي توليد على مشروع آبار عتيل وقنوات، أما مشروع صلاخد فهو مزود بـ8 مجموعات توليد، وعند انقطاع الكهرباء يتم تغذيتها عن طريق مجموعات التوليد، إضافة إلى استئجار صهاريج خاصة وعامة لتخديم القرى البعيدة.

ولكن قبل كتابة هذه السطور أفاد السيد رئيس وحدة مياه شهبا أنها تحتوي على نسب عالية من الكلس ويفضل عدم استخدامها، فقد جرى فحص عينات منها في مخبر مدينة شهبا بعد تركيب جهاز تعقيم كلور، وجاء نتيجة التحليل أن جميع المواصفات القياسية مطابقة عدا المواصفات الناقلية التي تكون عادة درجتها في الحد الطبيعي نحو 1500 درجة وفي حالة الطوارئ يسمح أن تصل إلى 2000 وهي اليوم 1900 وفق نتائج تقرير مخبر شهبا للمياه، وبالتالي فهي مياه تحتوي على نسب عالية من الكلس ويسمح باستخدامها ولكن في حالة الطوارئ القصوى، وتقرير المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي بالسويداء يذكر أنه وصل إلى 1548 فقط. وبناءً على التقرير فإن المياه صالحة للشرب ومطابقة للمواصفة القياسية السورية… وضرب أحد المعنيين مثالاً على طبيعة تلك المياه بقوله: إذا كنت في صحراء قاحلة وأنت في درجة جفاف من العطش ووجدت كمية من المياه في الصحراء ألا تشرب منها؟! هكذا يكون حال مياه قرية ذكير.. فما هو حال الجهات المعنية؟

(النور) بعد أن التقت أهالي القرية وسألت الجهات المختصة من رأس الهرم في المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي بالسويداء الذي أفاد بصلاحية المياه للشرب، بينما رئيس وحدة مياه شهبا أشار إلى خلل فيها وفي تركيبها الكيماوي ولم يعط قراراً باستخدامها، فإن السؤال الذي يطرح اليوم…هل باتت التصريحات هي فقط لإطلاق أحكام من وراء المكاتب مقابل ألا يؤخذ على المصرح أي درجة تلوث…بالمقابل يسمح للمستهلك البشري أن يشرب مياهاً ملوثة خوفاً على الجهة المعنية أم منها؟

وهل حياة المواطن في حالة الطوارئ لا يقدم له خدمات طوارئ لضمان سلامته وعيشه؟ أم أننا نبقى نعيش في ظل البيروقراطية والخوف يكتنف ظلنا بسبب تقصير ربما كان مباشراً أم غير مباشر، ولا نملك الجرأة للتصريح به؟

و(النور) تتساءل: كيف يمكن للجهات المعنية أن تبدل في تصريحاتها بين الهاتف والمواجهة خلال ساعات قليلة، وتمنح عفوها لذاتها، وتطلق أحكامها باستخدام المياه التي قبل ساعات ملوثة، لتكون صالحة للشرب بأقل من ذلك، بدلاً من العمل على إصلاح التلوث وتأمين الاحتياجات اللازمة لضمان السلامة؟

أسئلة كثيرة باتت تراود المواطن في قرية ذكير وغيرها من القرى ولا يجد لها تفسيراً سوى أن الأزمة أصبحت تقلق مضاجع المواطن في المناطق الآمنة، وتقلق الجهات المعنية في اتخاذ القرارات الجريئة والواضحة، وعلى المواطن أن يركب في بلعومه جهاز تعقيم خاصاً به كي لا يتأذى!

العدد 1105 - 01/5/2024