أثر العوامل الاقتصادية في تسخين الصفيح الانتخابي الأمريكي!

 لاجدال في أنّ للعوامل الاقتصادية تأثيرها على جميع الانتخابات في كلّ بلدان العالم، تشريعية كانت أم رئاسية، وبصرف النظر عن كون أبطالها حزبين متنافسين أو عشرة أحزاب، وسواء أعلنت نتائجها مع انتهاء الدور الأول، (كما هو الأمر بالنسبة للانتخابات الرئاسية الأمريكية)، أم تأجلت إلى انتهاء الدور الثاني.. بيد أنّ للعوامل الاقتصادية وللأوضاع الاقتصادية عموماً سخونتها الدائمة على الصفيح الملتهب أصلاً حين تدق طبول الانتخابات، مثلما كانت طبول الهنود الحمر تفعل في أفلام (الويسترن) الأمريكي!

سوف نتوقف الآن عند ثلاثة عوامل جامعة مانعة وقادرة على حسم نتائج الانتخابات:

الأول هو الدين العام: ويمكننا هنا الاستعانة بالرسم البياني الذي قدمه الحزب الديمقراطي عشية مؤتمره الأخير في كارولاينا الشمالية (الذي أعلن فيه ترشيح أوباما)، والمُستقى من بيانات لوزارة الخزانة الأمريكية، الذي أُشير فيه إلى أنّ نسبة دين الولايات المتحدة شهد الارتفاعات الأكبر في فترات حكم الرؤساء الجمهوريين الثلاثة وهم: ريغان (1980-1988) بنسبة 189%، بوش الأب (1988- 1992) بنسبة 55%، وبوش الابن (2000- 2008) بنسبة 86%.

ورغم أن الديمقراطي بيل كلينتون استمر في الحكم لولايتين متعاقبتين (1992- 2000)، إلا أنّ الدين لم يرتفع في عهده سوى بنسبة 36%، وهو المعدل الأقل بين الرؤساء الأربعة. لكن ولايتَيْ الجمهوريين ريغان و بوش الابن اللذين ظل كل منهما في الرئاسة لفترتين متتاليتين أيضاً شهدتا ديناً مرتفعاً في مقابل دين أقلّ مترتب في عهد كلّ من الديمقراطيين كلينتون وأوباما.

العامل الثاني يتعلق بضرائب الأغنياء وضرائب الفقراء : الجمهوري ميت رومني يعلن عن برنامجه المتضمن خفض الضرائب على الأثرياء بواقع 20%، بالتزامن مع شطب إعفاءات ضريبية لمحدودي الدخل. بينما يقول أوباما:  مادمت طالما أنا الرئيس لن أقبل تلك السياسات، أنا أرفض أن تتخلى الطبقة الوسطى عن إعفاءاتها الضريبية التي تتمتع بها الآن مقابل خفض الضرائب عن الأثرياء من أصحاب الملايين.

العامل الثالث يتعلق بالبطالة وبخلق فرص العمل لمواجهتها: ففي حين يعلن رومني أنّ برنامجه سيؤدي إلى خلق 12 مليون وظيفة من خلال حزمة تشريعات، يردّ عليه هذه المرة بيل كلينتون بالقول: هذا كلام غير واقعي، ويذكّر بال أربعة ملايين ونصف المليون وظيفة التي استطاع القطاع الخاص(في ظلّ إدارة أوباما) خلقها خلال السنوات الأربع الماضية.. أمّا باراك أوباما فذكّر بخطته حول إنقاذ قطاع السيارات الأمريكي، وكان من نتيجتها توفير نصف مليون وظيفة، وقال: إنّ إعادة انتخابه لولاية ثانية سيؤدي إلى توفير مليون وظيفة أخرى في هذا القطاع. ومع ذلك، ولأنّ عامل البطالة هو التحدّي الأكبر في السباق إلى (أو البقاء في) البيت الأبيض، فقد جاء تقرير العمل لشهر آب الفائت مخيّباً لآمال أوباما وحزبه الديمقراطي.. إذ أظهر زيادة الوظائفً بواقع 96 ألف وظيفة، وهو رقم أقلّ بكثير مما كان متوقعأ! ذلك لأنّ تراجع معدّل البطالة إلى 1,8% فقط لايعدّ إيجابياً أو كافياً لأنه جاء بسبب توقف الكثيرين عن البحث عن وظائف. ممّا لاشكّ أنّ الأرقام مهمة في لغة الخطاب الاقتصادي وفي تسخين الصفيح الساخن أصلاً لانتخابات الرئاسة الأمريكية، التي ستجري بعد شهرين من الآن.. وقد تكون العوامل التي خلقتها راجحة لصالح إحدى كفّتي الميزان، كما ذكرنا في البداية. وقد تدخل إلى جانبها في اللعبة عوامل أخرى… فتأتي النهاية حينئذ، وكما يقول شكسبير، على غير ما كان متوقعاً منذ البداية!

العدد 1107 - 22/5/2024