فلسطين وسورية.. قضية واحدة

الذين راهنوا على شطب القضية الفلسطينية من ذاكرة الشعب السوري ووعيه، والذين اعتقدوا أن هذا الشعب سوف ينشّد إلى أزمته الداخلية الكارثية بعيداً عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية، هؤلاء جميعاً أصيبوا بإحباط شديد عندما أعلن السيد الرئيس بشار الأسد في خطاب القسم الرئاسي منذ أيام، وبالحرف الواحد (.. إن ما يجري في سورية والمنطقة برمّتها مرتبط بشكل مباشر بفلسطين)، وتابع قائلاً: (إن من يعتقد أنه يمكن لنا العيش بأمان ونحن ننأى بأنفسنا عن القضية الفلسطينية، فهو واهم، فهي ستبقى القضية المركزية استناداً إلى المبادئ والواقع).

تكتسب هذه الأقوال قيمتها وأهميتها في الوقت الذي يلهب فيه شعب غزة الأرض تحت أقدام المحتلين الصهاينة، ويقدم قوافل الشهداء، مما دفعهم إلى المزيد من الوحشية دون أن يحرك ساكناً أولئك الذين يسمون أنفسهم (المجتمع الدولي)، وهو نفسه (المجتمع) الذي هبّ من أقصاه إلى أقصاه لتلبية نداء مراكز الإرهاب العالمية، فنظم أكبر عملية تجنيد للمرتزقة وأرسلهم إلى سورية، لتفتيتها من الداخل وقصم ظهر جيشها الذي يشكل القوة الرئيسية للشعوب العربية، في مواجهة مؤامرات الإمبريالية والصهيونية ومخططاتها، والرجعية العربية أيضاً.

والذين طلبوا من سورية، بدافع الحرص عليها أحياناً، عدم التدخل في القضية الفلسطينية، والتركيز على القضية السورية الآن، هؤلاء أيضاً غاب عنهم جوهر الصراع العربي – الإسرائيلي، الذي هو امتداد لصراع حركة التحرر الوطني العربية ضد الهيمنة الإمبريالية على منطقة الشرق الأوسط، التي تبتغي الحفاظ على أمرين اثنين، أولهما مصالح الغرب النفطية، وثانيهما أمن إسرائيل، وفي كلتا الحالتين فإن المعركة مفروضة على الشعوب العربية فرضاً، ولا خيار لها سوى المقاومة، إلا إذا أرادت الاستسلام أمام المطامع الغربية، كما يفعل الرجعيون العرب الآن.

إذاً، فالقضية ليست قضية عاطفية، وليست مواقف متشددة يتخذها بعض العرب الوطنيين، بل هي مصالح الأقطار العربية نفسها التي باتت مستهدفة بعد نشوء إسرائيل منذ أكثر من 60 عاماً، وكل التنازلات التي قدمها المستسلمون العرب حتى الآن لم تنفع في وضع حد للتغول الإسرائيلي على المصالح الفلسطينية والعربية عموماً. فقد شنت إسرائيل أربع حروب على العرب (سورية، مصر، لبنان، الأردن)، واحتلت ولاتزال تحتل أجزاء من هذه الأقطار، وماتزال تحتفظ برصيد كبير من الأسلحة النووية وترفض وضعها تحت المراقبة الدولية التي يجند الغرب كل قواه الآن لفرضها على إيران. وبالرغم من مرور أكثر من 20 عاماً على اتفاق أوسلو، فإن الاستيطان الإسرائيلي يتوسع أكثر فأكثر على حساب أراضي الفلسطينيين، وكلما قدّم العرب أو الفلسطينيون تنازلاً طلع عليهم الإسرائيليون بخطة جديدة لمحو آثار عروبة فلسطين، وآخرها خطة إعلان يهودية الدولة الإسرائيلية، أي طرد أكثر من مليون فلسطيني من فلسطين التاريخية إن لم يوافقوا على التخلي عن هويتهم العربية، ويقبلون التحول إلى مواطنين إسرائيليين من الدرجة الثانية.

طوال عامين من بدء الأحداث الدموية في سورية، حاولت إسرائيل أن تبقى خارج المشهد العلني والإعلامي لهذه الأحداث، ولكنها لم تستطع الاستمرار بهذا الموقف، وهي تراقب سقوط معاقل الإرهابيين الواحد تلو الآخر بيد الجيش العربي السوري، وأخذت تتدخل صراحة ووقاحة إلى جانب الإرهابيين في المناطق الجنوبية من سورية، وتمدهم بشتى أنواع المساعدات العسكرية واللوجستية بالتنسيق مع بعض القوى الرجعية العربية، وهي تعلن حرصها على حماية ما تسميه (مصالحها) في مياه الجولان السوري المحتل وأراضيه، وعدم قبولها بالتنازل عنها، رغم كل القرارات الدولية بهذا الصدد.

إن أهم ما تسعى إليه إسرائيل اليوم هو ضرب الجيوش العربية الوطنية التي تهدد عدوانيتها، وأهمها الجيش العربي السوري، والجيش المصري والجيش العراقي، لذلك فإن المعركة باتت مفتوحة في كل الاتجاهات، لإشغال هذه الجيوش في هذه البلدان واستنزافها بمعارك داخلية عبر تحريك الإرهابيين والعملاء، وإبقاء العرب دون قوى رادعة تسترد ما احتل من أراضيهم وتحمي استقلال الباقي منها.

ظن الغرب وإسرائيل أن هذه الجيوش ستبقى بعيدة عن الصراع العربي – الإسرائيلي، ولكن الجيش العربي السوري حطّم هذا الوهم، والجيش العراقي يعود إلى استعادة دورة في محاربة الإرهاب، وتمكن الجيش المصري من خلع نظام الإخوان المسلمين، مستنداً إلى ثورة شعبية عارمة. وانتفض في هذه الظروف الدقيقة، شعب غزة ليسطر ملحمة جديدة من البطولات، وليكشف من جديد عورات الأنظمة العربية المستسلمة التي لا همّ لها سوى استمرار التآمر على سورية، بينما يُترك أهالي غزة ليواجهوا الموت بصدور عارية.

بعد كل ذلك، هل يجوز التساؤل عن مدى ارتباط قضايا سورية والعرب بالقضية الفلسطينية؟!

العدد 1107 - 22/5/2024